قضايا وآراء

انكسار «الهيبة»

| منذر عيد

من كان يصدق ذاك المتحدث قبل عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي سوف يُذل على يد المقاومة، وبأن مستوطنات الكيان ستتحول إلى مدن أشباح في الجنوب والشمال، وبأن الكيان سيساق مخفوراً إلى المحاكم الأممية، لتنكسر- بمجمل أحداث ما بعد 7 تشرين الأول- هيبة إسرائيل التي انشغل متزعمو الكيان على هندسة بنائها طوال عقود منذ احتلال فلسطين.

خلال 75 سنة من عمر الاحتلال الصهيوني، والقادة الصهاينة يعملون على هندسة شكل خداع كاذب ألبسوه وجه المظلوم، وطقم الإنسانية وربطة عنق الديمقراطية، وحملوه صولجان القوة والعنجهية، فعملوا من خلال ذاك الشكل مدعوماً بالحقد والكراهية الأميركية، على تحدي الشرعية الدولية، وتسويق صورة أوهمت الرأي العام العالمي بمظلوميته، وبأنه واحة من الديمقراطية والإنسانية في صحراء عربية دكتاتورية استبدادية، تخلو من جميع أشكال الحضارة والإنسانية.

يقول الرئيس السابق للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، أفراهام بورغ، في كتابه «هزيمة هتلر من أجل يهودية أكثر إنسانية وكونية» إننا نعيش في «حضارة صنعتها كلمات معسولة ومفردات كاذبة كان نتاجها ثقافة كاذبة ومجتمعاً بارداً ومغلقاً، وأسوأ من ذلك كله مصطلحات مبهمة صكّتها إسرائيل، بهدف السماح لمواطنيها وشركائها بالتنصل من مسؤولية الأفعال التي اقترفتها باسمهم».

استطاع قادة الكيان الإرهابي طوال سنوات مضت على بث الخوف في قلوب أغلبية الدول العربية، وإيهامهم بأن جيش الكيان، هو ذاك الجيش الأسطوري والقوة التي لا تقهر، وبأنه صاحب الكلمة العليا واليد الطولى في المنطقة، إلى أن جاءت عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، فكانت بمنزلة الزلزال الذي دمر جميع هندسات قادة الكيان الصهيوني، والمخلب الذي مزق نمراً من ورق، فبانت حقيقة الاحتلال عارية، حقيقة تجلت في أن ذاك الكيان ليس إلا بيت عنكبوت، استطاعت يد المقاومة في كل من فلسطين ولبنان والعراق أن تمزق خيوطه، لتحول مستوطنات الشمال الفلسطيني ومحيط غزة إلى مدن أشباح، ولتنكسر صورة «الجيش الذي لا يقهر» على عتبات وفي داخل أزقة قطاع غزة.

كلماتنا السابقة في الحديث عن هزيمة جيش الاحتلال، كانت توصف سابقاً بأنها ضرب من الخيال، وبأنها خطاب خارج الواقع، إلا أن ذاك الحديث خرج يوم أمس وتقريباً بشكل حرفي من فم عضو «كابينت الحرب» في الكيان الصهيوني، غادي آيزنكوت، في رسالة وجهها إلى الأعضاء الآخرين في «الكابينت» حول ما حقّقته إسرائيل وما لم تحققه خلال الحرب على غزة‎، ليكتب في رسالته تلك: «بعد أكثر من أربعة أشهر على الحرب، من الجيد أن نجري تقييماً للإنجازات ودراسة الاتجاهات للاستمرار، من وجهة نظري، على خلفية الامتناع عن اتخاذ قرارات حاسمة ومهمة، هناك تزايد في صعوبة تحقيق أهداف الحرب، لقد تعثر المخطط الإستراتيجي للحرب، وهذا يهدد عملياً تحقيق أهدافها، إضافة إلى ذلك، الوضع الإستراتيجي لإسرائيل».

إذاً الحديث عن المنطقي من عدمه بخصوص الكيان الإسرائيلي ما قبل «طوفان الأقصى» وما بعده، بات حقيقة على أرض الواقع ولا يمكن نكران التحول الكبير الذي حققته عمليات المقاومة، لجهة المواقف الدولية من فلسطين وعودة القضية إلى تصدر المشهد السياسي العالمي، أو لجهة الانهيار المتسارع في الكيان الصهيوني على الصعد كافة، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وحتى الاجتماعية.

إنجازات ونتائج «طوفان الأقصى» كثيرة وكثيرة جداً، وربما بحاجة إلى أبحاث وتحليلات على مدى أشهر وسنين، إلا أن أبرز تلك النتائج، انكسار العنجهية الصهيونية، وجر الكيان مخفوراً، بفعل شجاعة دولة جنوب إفريقيا، إلى محكمة العدل الدولية، لمساءلته عن مجازر الإبادة الجماعية، وليتكرر الأمر أول أمس، حيث بدأت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي، أسبوعاً من جلسات الاستماع بشأن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ليخسر الكيان بذلك حُجّته الأخلاقية في حرب يعتبرها وجودية.

بعد 137 يوماً من العدوان الإرهابي، وحرب الإبادة ضد سكان قطاع غزة، فإن صورة إسرائيل على عتبات الانهيار، وها هو «الطوفان الفلسطيني» بكل أنواعه المقاوم والإعلامي والثقافي ينتصر على دعاية وسردية صهيونية دنت على ما يقرب القرن من التضليل والأكاذيب الصهيونية والتلاعب بالعقول، لتسقط في زمن «طوفان الأقصى» كل الأقنعة الصهيونية، ولتحيا من جديد ذكرى القضية الفلسطينية، ولتعود إلى الواجهة السياسية العالمية، وفي أصوات الشعوب العالمية قضية محقة لشعب ظلم منذ وعد بلفور المشؤوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن