ثمة إشكاليّة موجودة عندما يكونُ الفسادُ في العلن، في حين الإجراءات في الخفاء. ولعلنا نذكر أنه قبل أكثر من عامين عندما قامت وزارةُ التجارة الداخليّة وحمايةُ المُستهلك برصدِ أحد كبارِ المُتعاملينَ الذينَ كانوا يتعاملونَ مع السوريّة للتجارة، وتأكدت بعدَ المُتابعات المُستمرّة أن هذا التاجر يقومُ بتفريغِ المُنتجاتِ الغذائيّة القديمة وإعادة تعبئتها بعد تغييرِ العلامة التجاريّة، وتاريخ الإنتاج ومُدّة الصلاحيّة، وتم ضبط عمليّة الغشّ والتلاعُب بالصلاحيّة، إضافة إلى كميّاتٍ كبيرة منَ المواد الغذائيّة، وتنظيم الضبط اللازم بحقّه وإحالتهِ إلى القضاء ولم يحدث شيء آخر سوى أنه مؤشّر على جديّةِ العمل الرقابيّ في الوزارة، والحرص على ردعِ جشعِ الفاسدين ومُحاسبتهم.
والأمرُ نفسُه ينطبق على حالاتٍ كثيرة تمَّ الإعلان عنها، ومنها أيضاً ما قامت به مديريّة الشؤون الصحيّة بمجلس مدينة حلب حينَ ضبطت معاليقَ معروضة في الشارع غير صالحة للاستهلاك البشريّ، وتنظيم عددٍ منَ الضُّبوط بحقّ أصحاب عددٍ منَ المحالّ في حي «قارلق» لمُخالفتهم الشروط الصحيّة. ولعلَّ اللافت في الأمر كان أن حيّ «قارلق» المُجاور للمدينة القديمة، والذي يُعدّ أهمَّ وأكبرَ سوقٍ في حلب لبيعِ أنواع اللحومِ الحمراء المُختلفة وبأسعارٍ تقلّ عن نظيراتِها في باقي الأحياء، ويشهد إقبالاً كبيراً من سكّان حلب على اقتناءِ مَعروضاته. وقد طالبَ الأهالي كثيراً بتكثيفِ الرقابة الصحيّة على لحوم الحيّ التي يُذبَحُ معظمُها خارجَ المذابح الفنيّة.
هذه الوقائع وغيرها تطرحُ قضيّةً في غايةِ الأهمية، وهيَ آليّةُ مُحاربةِ الفساد، والتعامُل معَ الفاسدينَ والمُفسدين.
والسؤالُ المُهمّ هنا: «هل يكفي ضبطُ حالاتِ فسادٍ وتنظيمِ الضبوط بحقّ الفاسدين؟ أم أن تتحوّلَ مُمارساتُ الفسادِ بعدَ ضبطِها إلى ظاهرةِ رأيٍ عامّ مُتداولة، كي يعرفَ الناس أن حَملةَ مُحاربةِ الفساد مُستمرّة.
إنَّ مُكافحةَ الفساد بحاجةٍ للسّيرِ على أكثر مِن مِحور وبشكلٍ مُتزامن، والضرب بيدٍ من حديد على كلّ فاسدٍ تثبتُ إدانته، وأن يعرفَ الناس من الفاسد، ومن الذي يسرقُ الأموال العامّة، ومن الذي يتلاعب بالمواد الغذائية الفاسدة ويُتاجر بها على حسابِ صحّةِ المُواطن، لعلَّ وعسى عندما تضرب فاسداً قد يشكّل ذلك رادعاً لغيره.