كيف ينظر التجار إلى «إحلال بدائل المستوردات»؟ … أكريّم لـ«الوطن»: دعم للصناعة لكنه أدى إلى هروب التجار وتهجير الكثير من المستوردين
| جلنار العلي
تحاول الحكومة من خلال برنامج إحلال بدائل المستوردات الاستعاضة عن استيراد الكثير من المواد والسلع بتصنيعها محلياً وذلك لتخفيف فاتورة الاستيراد والحفاظ على القطع الأجنبي وتشجيع الصناعة المحلية، وبالتالي إيجاد فرص عمل داخلية لتشغيل الأيدي العاملة، ومنح العديد من المزايا لتشجيع تلك الصناعات الناشئة.
ولكن بعد مضي نحو 5 أعوام على إطلاق هذا البرنامج، أصبح من الممكن طرح الكثير من التساؤلات عن النتائج التي حققها، وعن إيجابياته وسلبياته والصعوبات التي يواجهها؟ وهل يمكن اعتبار هذه الصناعات التي تم تشميلها بالبرنامج منافسة؟ عضو غرفة تجارة دمشق ياسر أكريّم، اعتبر في تصريح لـ«الوطن» أن برنامج إحلال بدائل المستوردات له شقان، أحدهما إيجابي ويتمثل بأنه فرصة لإيجاد ساحة تنافسية ضمن الساحة العالمية وخاصة بالنسبة للقطاعين الغذائي والنسيجي لإبراز الصناعات السورية، أما الشق الآخر فهو سلبي إذ أدى هذا البرنامج إلى ضرر كبير بالنسبة لبعض المستوردين الذين كانوا يتعيّشون على استيراد مواد أصبح استيرادها ممنوعاً، الأمر الذي تسبب بخروجهم من السوق والبحث عن أسواق أخرى كمصر وتركيا ولبنان والأردن ودبي، مستغلين خبراتهم الاقتصادية التي كانوا يعملون من خلالها في سورية، وبالتالي أصبحت هناك ضائقة بالسيولة الأجنبية.
ورأى أن هذا البرنامج من شأنه دعم الصناعة قولاً واحداً، لكنه أدى إلى هروب التجار في الوقت ذاته، لذا كان من الضروري إعادة تقييم مثل هذه القرارات بشكل دوري لتقييم الأخطاء الموجودة فيها وتعديلها بشكل مرن وسريع.
من جهة أخرى، اعتبر أكريّم أن منع الاستيراد وإحلال الصناعات المحلية بدلاً منه أدى إلى انعدام وجود منافس لها بالسوق المحلية، وهذا يعد شكلاً من أشكال الاحتكار، على اعتبار أن الصناعيين سيرفعون أسعار موادهم لكونهم الوحيدين في السوق، مؤكداً وجود مواد منتجة محلياً وصلت أسعارها إلى ضعف مما هي عليه في الصين على سبيل المثال، وهذا الأمر قد ينعش بعض الصناعات لكنه سيؤدي إلى إنهاك لجيوب المواطنين الذين باتوا يدفعون ثمن مشترياتهم بأسعار تفوق الأسعار العالمية، متابعاً: «يجب على الحكومة عندما تصدر أي قرار أن تحدد الفئة المستهدفة هل هي فئة الصناعيين أم التجار أم المواطنين، ويجب أن يكون المواطن هو الهدف الرئيس لأي قرار لإيصال المواد له بأسعار تناسب الأوضاع المعيشية».
واعتبر أكريم أن ارتفاع تكاليف تصنيع هذه المواد يحرمها فرصة التصدير، لذا يجب قبل اتخاذ قرار بتصنيع أي مادة محلياً أن تتم مقارنة أسعار الطاقة وتكاليف استيراد المواد الأولية مع دول الجوار، إذ يجب أن تكون التكلفة تقل عن الخارج لمنح هذه الصناعات فرصة التصدير والمنافسة، مشيراً إلى ضرورة توقف الحكومة عن دعم الصناعات التي لا تؤدي إلى تخفيض أسعار منتجاتها والتي تقل تكاليف استيرادها عن تكاليف تصنيعها محلياً، كما يجب أن تدعم الصناعات الضرورية للمواطن على حساب الصناعات الكمالية التي تضر تكاليفها المرتفعة بالاقتصاد السوري.
من جهته، رأى عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق في تصريحه لـ«الوطن»، أن الغاية الأساسية من برنامج إحلال بدائل المستوردات تتمثل في التخفيف من فاتورة الاستيراد لمواد مصنعة جاهزة والاستعاضة عن ذلك بإنتاجها محلياً، لكن الحكومة شمّلت صناعات كثيرة ضمن برنامج إحلال بدائل المستوردات، متوقعة أن تكون هذه الصناعات منافسة بشكل جيّد، وأن يكون تصنيعها في سورية أقل تكلفة من استيرادها من الخارج بكثير.
وقال الحلاق: إن هذا البرنامج يعد منطلقاً لتوطين الكثير من الصناعات، وتطبيقاً لشعار «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، لكن يحتاج ذلك إلى الكثير من الأدوات والتسهيلات، وإلغاء الكثير من القرارات المتعلقة بآلية تصنيع منتج ما ضمن البيئة السورية، إلا أنه اتفق مع أكريّم على ضرورة التوجه نحو استيراد المواد التي تعد تكلفة استيرادها أقل من تكلفة تصنيعها، ماعدا الصناعات الاستراتيجية التي يوجد لها فرص مستقبلية في المنافسة والتصدير وزيادة فرص العمل، واصفاً البيئة السورية بأنها بيئة صلبة يصعب العمل فيها بسهولة.
وحول مدى كفاية المواد المصنعة ضمن برنامج إحلال بدائل المستوردات للسوق السورية، أكد الحلاق أن وزارة الاقتصاد لم تقدم حتى الآن أي إحصائيات عن عدد هذه المواد، مؤكداً ضرورة وجود مثل هذه الإحصائيات للتمكن من تقييم البرنامج بشكل أكمل.