الدراما التاريخية… بين الألق والاندثار … هل تشجع المعارك في الدراما التاريخية على العنف؟
| مصعب أيوب
أضاءت الدراما السورية على مراحل عديدة من تاريخنا العربي والحضارة الإسلامية، فقدمت الكثير من الحالات الفنتازية والتوثيقية في بعض الأحيان لمرحلة ما، انطلقت تلك الأعمال من الكتب والروايات التاريخية، وقد كانت الأحداث الكثيرة والصراعات القائمة سابقاً تغري المنتجين وصناع الدراما لإنجاز هذه الأعمال، علاوةً على بعض الأعمال التي رصدت قصة حياة قائد عسكري أو أمير وسلطان.
صورة لائقة
في وقت سابق أجمع النقاد وأهل الصحافة على أن الدراما السورية تبنت التاريخ وقدمته بالصورة اللائقة وباستخدام التقنيات المبهرة واللقطات الساحرة وأكبر دليل على ذلك الجوائز التي كانت تحصدها.
وقد أنجز في سورية أول عمل تاريخي بعنوان «انتقام الزباء» لمحمود دياب والمخرج غسان جبري، وقد تتابعت الأعمال الدرامية التاريخية وتبعه سيرة بني هلال ودليلة والزيبق والجوارح والكواسر والأعمال الأندلسية «صقر قريش وملوك الطوائف وربيع قرطبة» والزير سالم وعمر وخالد بن الوليد والقعقاع بن عمر التميمي، وقد لاقت تلك الأعمال اهتماماً كبيراً وحصدت نسب مشاهدة عالية، ولكن اليوم اندثرت هذه الصناعة وبالتزامن مع بدء الأحداث الأخيرة والتي أعقبها استيلاء المجموعات المسلحة على بعض مستودعات شركات الإنتاج التي كانت تخزن فيها بعض التجهيزات والديكورات والملابس الخاصة بصناعة الدراما التاريخية، إذ إنها تختلف عن أي نوع درامي آخر أو ربما استولوا على أماكن لها خاصيتها التاريخية التي يتم الاستعانة بها، وبات الأمر أكثر تعقيداً وتكلفة وربما تكاليف باهظة جداً لإنتاج هذه المادة، وبالتالي فقد عزف كثيرون عنها، وهو ما أفسح المجال لأعمال تاريخية غير سورية أجنبية مثل قيامة أرطغرل وصراع العروش وغيرهما، وهو ما يؤكد اهتمام المتلقي بمعرفة التاريخ والاطلاع عليه واستكشافه ومعرفة ما الذي أفضى بهذه المنطقة إلى هنا.
عناء ومشقة
من المعروف عن الدراما التاريخية أنها بحاجة إلى أجواء صحراوية وبعيدة عن المناطق المأهولة والسكانية وبالتالي فإن صناعها يضطرون للسفر إلى محافظات بعيدة وربما إلى بلدان أخرى كالمغرب التي يتم تصوير أعمال تاريخية كثيرة فيها بسبب وجود مسافات صحراوية كثيرة وكبيرة فيها وبسبب وجود بعض القصور التاريخية والأبنية الأثرية التي يمكن استخدامها في العمل، كما يتم في الدراما التاريخية الاستعانة بالجموع والأعداد الكبيرة من الكومبارس وهو ما يصعب على المخرج ومساعده التحكم بكل هذا العدد من الأشخاص، إضافة إلى المهن الكثيرة اللازمة لذلك من خياطة ألبسة من نوع خاص وتعديلات في الوجوه والشعر بطريقة مختلفة وكذلك الخيول والجمال وتأمين عدد كبير من السيوف والرماح وما إلى ذلك، فإن كل ما سبق ربما يكون عائقاً كبيراً في سبيل تقديم مادة درامية تاريخية متقنة ومقنعة، وهو ما كشفه المخرج السينمائي يزن أنزور مشيراً إلى أن طبيعة الأعمال التاريخية تفرض على منتجها أن يفكر ملياً ويجري حسابات دقيقة قبل الخوض في هذه التجربة بحيث أنها تتطلب مبالغ مالية هائلة وجهة إنتاجية قوية، منوهاً بأنه قدم مؤخراً كثيراً من المحاولات ولكن بطبيعة الحال كان يتم توجيه هذه المحاولات بسبب طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة، فلم تكن لهدف درامي سردي ومن أجل الاحتفاء بالتاريخ العربي العريق أو قادته العظماء.
اتجاهات ورغبات
كما بين مخرج فيلم الصليب المكسور أن الدراما التاريخية تأثرت مؤخراً بشكل أو بآخر وذلك لعدة أسباب، ولعل أهمها طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة مؤخراً والتي تعددت أشكالها بين السياسي والعرقي والديني وما إلى ذلك، وهو ما جعل صناع الدراما من مؤلفين ومنتجين وحتى فنانين يبتعدون عن إثارة الفتن من خلال تلك الأعمال والتي ربما تثير الكثير من الإشكاليات وإشارات الاستفهام، ولكي لا يصنف الدراميون على أنهم إلى هؤلاء أو أولئك أو غيرهم.
وركز على أن اتجاهات جيل الشباب تتمحور حول الواقع المادي والاقتصادي ورغبتهم في مواد درامية وسينمائية تعبر عن آلامهم وتطلعاتهم أو ربما مادة ترفيهية، أكثر من مواد تتجلى فيها قصص تاريخية مضت وانتهت، وهو ما رفضه أنزور مبيناً أنه علينا الاستئناس والاستفادة من التاريخ الذي يعيد نفسه والتعلم من تجارب الأسبقين وربما استطعنا الخروج من هذه المرحلة الصعبة لمستقبل أفضل.
تاريخ عريق
وأردف أنه يمكن لجيل الشباب اليوم أو أي شخص عادي بضغطة زر واحدة أن يصل إلى ما لا يمكن أن يتخيله عقل وكل من يقصد شيئاً يستطيع الوصول إليه بسهولة بواسطة الشبكة العنكبوتية، فيتابع جلهم الدراما والأفلام الأميركية والتي تكاد لا تخلو من شتى مظاهر القتل والدماء، فلا يمكننا أن نقرر أن الأعمال التاريخية والمشاهد الدموية تثير شهية القتل والعنف لدى المتلقي، أو نعتبرها مروجةً للعنف، فهو موجود شئنا أم أبينا ولا يمكننا نكرانه، ولا ضير إن تطرقنا له بطريقة تاريخية لبقة وراقية تحترم عراقة تاريخنا وعقول متابعيه.
مبيناً أنه يطمح دائماً لتقديم أعمال تاريخية تحتوي أفكاراً متميزة وبأسلوب عبقري يضاف للمكتبة العربية والثقافية ويمكنه أن يواكب العصر والفترة الراهنة.
تكلفة عالية
وعن ذلك يقول الكاتب والمخرج نعيم الحمصي «الدراما التاريخية هي من أكثر الأعمال كلفة إنتاجية وأكثر الأعمال التي تحتاج إلى الكثير من النجوم والكثير من المواقع إضافة للوقت الطويل جداً للتحضير والتنفيذ».
وفي الوقت الراهن هي بحاجة إلى اجتماع عدد من شركات الإنتاج للقيام بها وبالطبع فتلك الأعمال لا تغني أبداً عن القراءة فهي بالنهاية خاضعة لوجهة نظر الشركة المنتجة أو الكاتب أو المخرج وليس من الضروري أن تكون رؤياهم هي الأصح.
السيرة الهلالية
مؤخراً وقبل عدة أيام بدأ عرض المسلسل التاريخي الأضخم على حد وصف صناعه «الوعد» على إحدى المنصات الاجتماعية قصة وسيناريو وحوار ناصر عبد الرحمن وعبد الرحيم كمال، والذي استغرق تصويره نحو خمسة أشهر ويروي بعض القصص من السيرة الهلالية، وهجرتها المشهورة التي وثقت في آلاف الأبيات الشعرية، وهي تعد من الموروث الشعبي العربي، ويشارك في بطولة العمل عدد من النجوم العرب منهم التونسي زياد التواني الذي يؤدي دور أبو زيد الهلالي، والأردني نضال نجم بدور رزق الهلالي، والمغربي محمد مفتاح بدور غانم الأحمر، والأردني خالد نجم بدور دياب بن غانم، والسعودي عبد المحسن النمر بدور الزناتي خليفة، ومن المقرر أن يكون عرضه على أربعة أجزاء من النوع القصير «من8إلى15 حلقة».
أعمال فانتازية
محلياً، وحتى اليوم لم يتم الإعلان عن أي عمل درامي سوري يحمل الطابع التاريخي مع اقتراب شهر الماراثون الدرامي الرمضاني وهو ما بات متكرراً لعدة أعوام بعد أن كانت الدراما السورية تحفل في كل موسم بعمل أو اثنين تاريخيين، وبات يتم الاكتفاء بأعمال البيئة الشامية أو الفنتازيا التاريخية التي لا يحدد فيها زمان ومكان الحدث ليتم اعتمادها في أي وقت، فهل تشهد درامانا عودة للألق في هذه الصنعة كما كان في سابق عهدها؟ أم إن تاريخها بات من الماضي واندثر ولا حاجة لنا فيه؟