بدأت مقالي بتساؤل الجواب عـليه عويص للغـاية؟ ولعـله ما من ظاهرة أسوأ من عـمالة الأطفال؛ إلا عـمل الشيوخ والمسنين وهم في حالة صحية مزرية ؛ وذلك بحثاً عـن قوت يومهم! سؤال مفتاحي نبحث معـكم عـن الإجابة.
ربما كانت الصورة النمطية التقليدية لكبار السن، ولاسيما بمجتمعـاتنا، هي أنهم أشخاص يعانون الضعـف والوهن ويتقاعدون عن العـمل بوصولهم للمرحلة العمرية التي يطلق عليها «خريف العمر». في حين المتقاعـد الغـربي يتفرغ لممارسة هواياته!
إن التقدم العلمي وتحسن الرعاية الصحية وارتفاع متوسط عمر الفرد على مستوى العالم كلها أمور باتت تعني أن مزيداً من الأشخاص يعملون الآن لسنوات إضافية.
وبعـضهم يضطر لمواصلة العمل بعد سن التقاعد لحاجته المادية، في حين يشعـر آخرون بأن مخزون عطائهم لم ينفد بعد رغـم اشتعال الرأس شيباً.
نأتي للغـة الأرقام: وفقاً لتقرير عــن الأمم المتحدة فنسبة الأشخاص الذين تبلغ أعـمارهم 65 عاماً أو أكثر تزداد بمعـدل أسرع من معـدل زيادة نسبة السكان الأصغـر عـمراً. هذه الفئة العمرية تبلغ حالياً نحو 10 بالمئة لإجمالي سكان الكوكب، ويتوقع أن تصل 16 بالمئة بحلول 2050، وقريباً سيكون واحد من بين كل ستة أشخاص بالعالم قد بلغ/ تجاوز سن 60 عاماً، وتتوقع منظمة العمل الدولية أن يرتفع عـدد المسنين بالبلدان النامية بنسبة 350 بالمئة بحلول نهاية القرن، وستصل النسبة 70 بالمئة بالبلدان المتقدمة.
وكلما ازداد عدد الأشخاص المتقاعدين عن العمل وتباطأ نمو القوة العاملة، تباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي أيضاً وازدادت أعـباء الميزانية للدول لارتفاع تكلفة الرعاية الصحية وبرامج معـاشات التقاعـد.
هل يجب أن نعمل في سنوات متقدمة من العمر؟ هل أصبح ذلك ضرورة اقتصادية للأفراد والدول؟ وما المعـوقات التي تقف أمام عمل كبار السن؟ وهل هناك فوائد من العمل في سن «الشيخوخة»؟
المشكلة أن هناك من يضطر لمواصلة العمل، ولاسيما في البلدان الفقيرة والنامية، لعدم حصولهم على معاشات تقاعـد على الإطلاق، أو لأنها غـير كافية لحياة مقبولة. عادة ما يتحدث الإداريون عن أهمية انضمام أكبر عدد ممكن من الشباب الصغار إلى القوة العاملة، لكن نادراً ما يتحدثون عن إعادة الأشخاص الأكبر سناً إلى تلك القوة والاستفادة منهم. ولربما السبب الرئيسي هو المعـتقد السائد بأن الأكبر سناً لن يحققوا القدر نفسه من الفائدة مقارنة بالشباب لأن إنتاجيتهم تنخفض، ويأخذون الكثير من الإجازات المرضية، ويصبحون عـاجزين عـن التعامل مع التقنيات الجديدة.
متى يجب أن نتوقف عن العمل؟ من الصعـب الإجابة عن هذا السؤال لأن الأمر يتوقف على العـديد من العـوامل. إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة، فبإمكانه المتابعـة لسنوات لاحقة من العمر، رغم أن هناك جدلاً متواصلاً حول الموضوع!
العـمر الطويل يجلب معه العديد من الفرص، ليس للأفراد فحسب، بل أيضاً لمجتمعاتهم التي تستفيد من إسهاماتهم. هذه الفرص قد تشمل أيضاً تلقي المزيد من التعليم أو الانخراط في هوايات جديدة أو ممارسة هوايات نهملها بسبب الانشغال بالعمل ورعاية الأسرة. «هناك كثير من الأدلة التي تشير إلى أن الاشتراك في أنشطة اجتماعية وثقافية وروحية مفيد للصحة، فليس من الضروري أن يكون عملاً مدفوع الأجر، من الممكن أن يكون عملاً تطوعياً لخدمة المجتمع، أو المساعدة في رعاية بعض أفراد الأسرة على سبيل المثال، المساعدة في رعاية الأحفاد لها فوائد إيجابية على الصحة النفسية للأجداد».
إحدى الطرف في السياق نفسه: قد يكون التقاعـد راحة للموظف؛ لكنه عـذاب لزوجته!
زوجة المتقاعـد: ترى زوجها ضعـفي المدة؛ مع نصف المدخول!
أذكر عـند عـملي استشارياً لغـرفة صناعـة حلب؛ مجموعـة خبراء (متقاعـدين) يابانيين بمنظمة «جايكا»: شرط عـقدهم تأمين سفرهم لبلدان صديقة لليابان؛ مع راتب بالكاد يكفي المعـيشة؛ لنشر عـلومهم ومهاراتهم بالعـالم، وهناك برامج أخرى مشابهة في دول أخرى(هولندا مثلاً)؛ فهل مازلنا نسمي: المتقاعـد «مت قاعـد»!