ثقافة وفن

د. سامي المبيض لـ«الوطن»: وسعنا دائرة البحث إلى كل المدن التي تضررت من الزلزال.. وهذا هو الجديد في الدورة الرابعة … مؤسسة «تاريخ دمشق» توزع جائزة «فخري البارودي للمؤرخين الشباب»

| مايا سلامي - تصوير: مصطفى سالم

أقامت مؤسسة تاريخ دمشق حفل توزيع جوائز الدورة الرابعة من مسابقتها السنوية «جائزة فخري البارودي للمؤرخين الشباب» لموسم 2023- 2024 في قاعة الأمويين في فندق الشام بدمشق، بحضور نخبة الثقافة والأدب والإعلام والرعاة لهذه التظاهرة النوعية البحثية العلمية، وتم توزيع الجوائز على الأبحاث الفائزة من بين الأبحاث المقدمة والتي خضعت للتحكيم من لجنة متخصصة، وتم تكريم جريدة «الوطن» الراعي الإعلامي ضمن تكريم الجهات الراعية «بنك الشام» و«إذاعة المدينة».

وحازت هبة مرسل المركز الأول عن بحث بعنوان «الحركة الثقافية في اللاذقية»، وجاء في المركز الثاني أوس يوسف عن بحث بعنوان «الحزام الأخضر في دمشق الكبرى»، ونال عامر النداف المركز الثالث عن بحث بعنوان « عادات الأسرة الدمشقية».

معايير عدة

رئيس مجلس أمناء مؤسسة «تاريخ دمشق» الدكتور سامي مبيض قال لـ«الوطن»: حاولنا ضبط الجائزة في تاريخ معين كل عام لكن بسبب الظروف لم نتمكن من ذلك، كما حدث هناك بعض التغييرات، فعادة كانت الجائزة مخصصة لمدينة دمشق لكن في هذه السنة تزامنت الجائزة مع الزلزال الذي ضرب سورية في شباط 2023، لذلك وسعنا دائرة البحث إلى كل المدن التي تضررت من الزلزال فكانت هناك أبحاث من حلب واللاذقية وإدلب إضافة إلى دمشق، وهذا هو الجديد في الدورة الرابعة من جائزة البارودي، والفائزون كانوا من مدن سورية مختلفة وليس فقط من محافظة دمشق.

وأضاف: هناك معايير عدة تم اتباعها في اختيار الفائزين، أهمها الدقة وسلامة اللغة العربية والابتكار والتجديد في البحث ومدى احتوائه على ربط وتحليل، وكان عندنا لجنة تحكيم مؤلفة من ثلاثة أشخاص، أحدهم توفي قبل الحفل بشهر وهو الصحفي هاني الخيّر الذي كرم اليوم، وللمرة الأولى كان هناك تقدمة من عائلة المرحوم فخري البارودي.

الشباب والوطن

أما مدير مشروع الجائزة أحمد وليد منصور فقال في كلمته: من الشباب والوطن كانت الانطلاقة، أليس فخري بك البارودي شيخ الشباب وأحد الزعماء الوطنيين لمدينة دمشق، تبحث في أعماله وكتاباته فلا تجدها مسيّرة إلا باتجاه الشباب والوطن، من مشروع القمصان الحديدية إلى مشروع الفرنك لدعم القضية العربية إلى مشروع دعم الصناعة الوطنية.

وأضاف: من هدي أعماله ونضاله استلهمنا مشروع هذه الجائزة، جائزة فخري بك البارودي للمؤرخين الشباب، شبابنا بحاجة لمن يحرّض عقولهم النيرة، ماذا يعني أن تعطي شاباً من الشباب قلماً وورقة وتقول له اكتب عن مدينتك؟، صدقوني ما ستخرجه هذه العقول من كلمات في وصف مدينتها لا يضاهيه وصف، فشبابنا بحاجة لمن يدعمهم ويرعاهم ويدلهم إلى الطريق الذي يستطيعون به أن يعبّروا ولو قليلاً عن مدينتهم وارتباطهم بها ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.

وتابع: منذ انطلاق مسابقة البارودي للمؤرخين الشباب تردنا كل عام عشرات الأبحاث، كل بحث منها يحمل في طياته مشاعر شباب متقد محب لمدينته وما فيها، ولكننا وللأسف الشديد نجد أنفسنا مضطرين للمقارنة والموازنة بين هذه الأبحاث لنختار منها الأبحاث الفائزة.

وأكد أن هذه الدورة من الجائزة تختلف عن سابقاتها، فلقد أثرت تلك الكارثة الطبيعية على الجغرافيا السورية وتسبب الزلزال الذي ضرب بلدنا في السنة الماضية بآثار مدمرة بشرياً وعمرانياً، ولذلك وسعنا رقعة الأبحاث لتشمل كل المحافظات التي تأثرت بذلك الزلزال، وكانت النتيجة عشرات الأبحاث التي وفدت إلى مؤسستنا من كل هذه المحافظات. كما لا بد أن أشير إلى حدث جلل تلقيناه في الأشهر الماضية وهو وفاة المؤرخ والكاتب السوري هاني الخيّر الذي كان ضمن لجنة تقييم الأبحاث وربما كان آخر عمل قام به هو تقييم الأبحاث المشاركة بهذه الدورة.

تجربة فريدة

أما العضو في مجلس أمناء المؤسسة ثائر لحام فقال لـ«الوطن»: إن توسيع نطاق الجائزة إلى عدة مدن ومحافظات كانت تجربة فريدة تحملنا عبئاً ومسؤولية كبيرين، لأن التحكيم يصبح أصعب، ولكنها من المؤكد كانت تجربة غنية ستشجعنا على المزيد خلال السنوات القادمة.

الفائزون الثلاثة

أكدت هبة مرسل أن بحثها يتناول بشكل عام الحديث عن الحياة الثقافية والفكرية في محافظة اللاذقية قديماً وذلك خلال الفترة الزمنية الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين وما بعده، بحيث تضمن استعراض أبرز مظاهر الحركة الثقافية والفكرية في ذلك الوقت ضمن مجالات عديدة.

وقالت: في المجال الأدبي كان هناك استعراض للإنجازات الأدبية والموضوعات والمضامين الشعرية التي استحوذت على الاهتمام في ذلك الوقت، وفي المجال العلمي تم استعراض المؤلفات والكتب التي ألفت في ذلك الوقت في مختلف الحقول والاختصاصات العلمية مع ذكر أبرز العلماء الذين أغنوا الحركة العلمية وأسهموا فيها، وصولاً إلى الحركة الفنية واستعراض أبرز النشاطات سواء في مجال النحت المسرح والموسيقا أو حتى الطرب والغناء.

وأشارت إلى مساحة للحديث عن الحركة الصحفية في اللاذقية تم استعراضها ضمن فترات زمنية متعاقبة، إضافة إلى ذكر أهم الصحف التي كانت موجودة في ذلك الوقت أيضاً، إضافة إلى كل ما سبق كان هناك استعراض للمظاهر التي كانت قد تبلورت من خلال مؤسسات تعنى بهذه النشاطات جمعيات، مكتبات، نواد ثقافية، تحدث البحث عن تأسيس هذه المؤسسات والنشاطات التي تقوم بها.

أما أوس يوسف الذي توجه بالشكر الكبير لمؤسسة «تاريخ دمشق» ولكل الجهات الداعمة التي أعطت فرصة للشباب ليكونوا في هذا المجال، فقال: تحدثت في بحثي عن التوسع العشوائي الذي حصل في دمشق على حساب المساحات الخضر وتأثيراته السلبية، وأسقطت بحثي على تجارب دول أخرى مثل «سيؤول» عاصمة كوريا الجنوبية التي استخدمت الحزام الأخضر ليكون حلاً لهذه المشكلة.

بدوره أوضح عامر النداف أن بحثه جاء كجزء من الوفاء لهذه المدينة، وبما أن التراث لم يعد مقتصراً على آثار المتاحف وإنما تعدى إلى ما يصدر عن عامة الشعب من عادات وتفاصيل للحياة اليومية، فقد حاولت تتبع جوانب حياة أهل مدينة دمشق وسبل معيشتهم وعاداتهم خلال أواخر القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين ونقلته بلغة سلسة وسهلة.

وقال: تحدثت بداية عن تأسيس مدينة دمشق وطباع أهلها الذين يتحلون باللطف واللين في المعاشرة وطبيعة علاقاتهم العائلية وأساليب تربيتهم السابقة، وذكرت بعضاً من الأمثال الدمشقية حول الأسرة. كما صنفت مراحل التعليم متسلسلة من الخوجة إلى الكتّاب ثم المدارس، وأخيراً الجامعات وأخص بالذكر جامعة دمشق التي بدأت مسيرتها الفعلية تحت اسم الجامعة السورية منذ أكثر من مئة عام.

وتابع: ذكرت المراتب المتبعة في تعلم الدمشقي للحرفة ابتداءً من «الأجير» ووصولاً إلى «شيخ مشايخ الكارات» وهي أعلى مرتبة في التنظيم الحرفي آنذاك، ثم انتقلت لأصف هندسة البيوت الدمشقية معمارياً وأتحدث عن أحيائها وأقسامها وأشجارها وأزهارها وحيواناتها وأثاثها.

دور فعال

وفي كلمة أمام الحضور، عبّر الرئيس التنفيذي لبنك الشام أحمد يوسف اللحام عن سعادته بدوام استمرار مؤسسة «تاريخ دمشق» في تنظيم جائزة فخري البارودي على مدى أربع سنوات متتالية، لما لها من دور فاعل في الحفاظ على التراث والتاريخ السوري.

وأكد أن أهمية البحث العلمي تصب في مصلحة التنمية المستدامة للوطن، إلى جانب قيمته المضافة التي تحقق منافع للمجتمع الإنساني، وتعود على الباحث نفسه بفوائد شخصية مهمة، خاصة أننا بحاجة ماسة لتطويره كما فعلت الدول التي أصبحت في مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً بعد أن اتخذت من البحث العلمي طريقاً لامتلاك المعرفة.

وقال: عملنا في هذه النسخة على إتاحة الفرصة للباحثين الشباب لتقديم أبحاث في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخاصة بكل من مدينة حلب واللاذقية وحماة وإدلب وذلك بعدما أصاب بلدنا الحبيب سورية من دمار بسبب الزلزال الذي حدث في شباط عام 2023، والذي حمل الكثير من الدمار والهدم لآثار هذه المدن القريبة والمفضلة على قلوبنا جميعاً، وذلك من أجل توثيق الذاكرة والتاريخ المحلي، ولتغطي حقبة من الزمن الجميل ما بين عامي 1860 حتى عام 2000.

عن المؤسسة

مؤسسة «تاريخ دمشق» هي مؤسسة وطنية غير حكومية وغير ربحية، تُعنى بتاريخ مدينة دمشق، من خلال إطلاق مشاريع وبرامج تعنى بالحفاظ على وثائق مدينة دمشق وجمعها وتصنيفها، إضافة إلى البحث عن حقيقة تراث المدينة وتاريخها وأنماط العيش فيها وإعادة تصويب ما شابها من أخطاء، وحفظها من الضياع والاندثار، أشهرت المؤسسة بقرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 1041 تاريخ 18 نيسان 2017.

رسالة المؤسسة

في السنوات القليلة الماضية تعرضت مدينة دمشق، شأنها شأن كل المدن السورية، إلى تغيرات جسيمة فرضتها الحرب الدائرة في البلاد، أدت إلى تشويه هوية المدينة البصرية والثقافية، وإلى خراب بعض أحيائها القديمة مع انهيار عدد لا يستهان به من القصور والبيوت الأثرية، وإلى ضياع نسبة كبيرة من أرشيف دمشق المادي والورقي نتيجة القدم والإهمال والفساد.

في خريف عام 2016 قررت مؤسسة تاريخ دمشق الانطلاق في مشروعها التوثيقي وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية، هدفها الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة دمشق، عقدت أول اجتماعات المؤسسة في بيت دمشقي صغير في «حارة الورد» بحي سوق ساروجا، أصبح اليوم مركزاً لأعمال المؤسسة، يدار من مجموعة من المتطوعين، من فنيين وتنفيذيين وأعضاء مجلس أمناء ومؤسسين.

لتمارس سعيها الدائم للبحث عن الصور القديمة والأفلام والصوتيات، إضافة للمطبوعات والأوراق الشخصية والمذكرات غير المنشورة والكتب القديمة والمخطوطات والمراسلات الخاصة والرسمية، جميع تلك الكنوز أو ما تبقى منها موجود إما في مستودعات الدوائر الحكومية وإما داخل دور دمشق القديمة في حوزة أهلها، يتناقلونها بالتوارث من جيل إلى آخر.

الكثير من تلك الأوراق والمستندات قد بدأت تتلاشى وتضيع بسبب الإهمال وسوء ظروف الحفظ، وظهر عدد كبير منها في مراكز أبحاث غربية، في باريس ولندن وواشنطن، بعد أن تم تهريبها من سورية خلال السنوات الماضية.

تسعى مؤسسة «تاريخ دمشق» إلى جمع تلك الأوراق المبعثرة في متحف إلكتروني والاحتفاظ بالنسخة الأصلية منها عند الإمكان إلى حين انتهاء الحرب الدائرة في سورية، حيث سيتم عرضها في متحف فعلي يكون تحت تصرف المهتمين والباحثين في التاريخ الدمشقي المعاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن