قضايا وآراء

ما دور مؤسسات الفكر والرأي في السياسة الأميركية؟

| دينا دخل الله

يعتمد النسيج السياسي الأميركي على عدة مصادر لرسم السياسات الاقتصادية والإستراتيجيات السياسية المتبعة في البلاد، ومن أهم هذه المصادر هي مؤسسات الفكر والرأي التي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل السياسات والتأثير في الخطاب العام وإن كان يتم تجاهل هذا التأثير في بعض الأحيان، وقد أصبحت هذه القوى الفكرية التي تتألف من العلماء والخبراء في السياسة والباحثين، بمنزلة ركيزة أساسية في عملية صنع السياسات وتمارس تأثيراً كبيراً على جانبي الطيف السياسي.

تعمل مؤسسات الفكر والرأي كمصانع للأفكار، حيث تعمل على توليد الأبحاث والمقترحات التي يمكنها التأثير في القرارات السياسية، وتقدم هذه المؤسسات الكثير من المعرفة والتحليلات التي يعتمد عليها صناع السياسات في أغلب الأحيان، ويُعَد معهد «بروكينغز» الذي له تأثير كبير على الديمقراطيين، ومؤسسة التراث، ومركز التقدم الأميركي، من بين مؤسسات الفكر والرأي البارزة التي تركت بصماتها على المشهد السياسي.

أحد الأسباب الرئيسية لسيطرة مؤسسات الفكر والرأي هو قدرتها على سد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والسلطة التنفيذية، وغالباً ما يجلب الباحثون داخل هذه المنظمات مجموعة كبيرة من الخبرة الأكاديمية لمعالجة قضايا العالم الحقيقي، ويزودون صناع السياسات بتوصيات مدروسة جيداً ومبنية على البيانات، ويمكّن هذا الارتباط مؤسسات الفكر والرأي من التنقل في التضاريس المعقدة لتشكيل السياسات وتقديم حلول عملية ترتكز على تحليل دقيق.

علاوة على ذلك، تعمل مؤسسات الفكر والرأي كحاضنات للإيديولوجيات السياسية الناشئة، ومع تغير الإدارات تتغير أيضاً أولويات السياسات وتتكيف مؤسسات الفكر والرأي وفقاً لذلك، وتصبح هذه المؤسسات لاعباً رئيسياً في تشكيل الروايات التي تحدد الخطاب السياسي، وسواء كان الأمر يتعلق بتأطير السياسات الاقتصادية، أو إصلاح الرعاية الصحية، أو إستراتيجيات تغير المناخ، فإن مؤسسات الفكر والرأي تساهم في الأسس الإيديولوجية التي توجه السياسيين في عمليات صنع القرار.

ومع ذلك، فإن تأثير مؤسسات الفكر والرأي لا يخلو من الجدل، ويرى المنتقدون أن هذه المنظمات يتم تمويلها في كثير من الأحيان من الشركات الكبرى أو المانحين الأثرياء أو اللوبيات، ما يثير تساؤلات حول حياد الأبحاث المنتجة وإمكانية أن تصبح مؤسسات الفكر والرأي أدوات لتعزيز أجندات سياسية معينة، ويشكل تحقيق التوازن بين الاستقلال والدعم المالي تحدياً مستمراً تواجهه هذه المؤسسات.

يمكن للأفكار المتولدة داخل هذه المراكز الفكرية أن تشكل التشريعات وتثري المناقشات العامة وتؤثر في مسار الأمة، وبما أننا نتعامل مع التعقيدات التي يفرضها عالم سريع التغير يصبح فهم الدور الذي تلعبه مؤسسات الفكر والرأي في الساحة السياسية أمراً ضرورياً في فك رموز القوى التي تشكل السياسات التي تؤثر فينا جميعاً، ذلك لأن السياسة الأميركية مفروضة على العالم بحكم الواقع.

كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن