قضايا وآراء

بيان «قمة السبع» الافتراضية يعكس مخاوف رجحان الكفة الروسية

| عبد المنعم علي عيسى

انعقدت يوم السبت الماضي «قمة السبع» بتقنية الفيديو تحت رئاسة إيطاليا التي توجهت رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني، رفقة نظيرها الكندي جاستن ترودو، إلى كييف، الأمر الذي يعكس فعلاً مرميين اثنين أولاهما إظهار وحدة «السبع» التي لطالما اعتقد قادتها أن الرئيس الروسي كان يراهن عشية إطلاقه لـ»العملية الروسية الخاصة» في أوكرانيا قبل نحو عامين، على أن ثمة افتراقات في نسيجها الذي يضم الاقتصادات الأكثـــر تفوقاً في العالم، لتحقيــق نصر حاســم وســريع، وثانيهمــا القــول إن نصــل سيوفها لم تفتر رغم مرور عامين على خروجها من أغمادها، وأنها لا تزال قادرة علـــى خـــوض المزيد من جولات النــزال ولـــو تطلب الأمر مدداً أطول بما لا يقــاس عــن تلك التــي مرت.

تعهد «المجتمعون» في بيان صدر بالتزامن مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث بأنه سيكون ممكناً «لحكومتها وشعبها الاعتماد على دعم مجموعة السبع مهما استغرق الأمر»، وأضافوا: «سنواصل زيادة كلفة الحرب الروسية، وخفض مصادر عائداتها، وإعاقة جهودها لبناء ماكينتها الحربية الأمر الذي تظهره رزم العقوبات التي تبنيناها أخيراً».

شهدت الحرب الأوكرانية صيف العام الماضي وخريفه منعطفين هامين، الأول تمثل في إخفاق الهجوم المضاد الذي قام به الجيش الأوكراني مطلع الصيف الماضي بدعم وإسناد غربيين حيث شكل البيان الصادر عن «قمة هيروشيما» لدول السبع شهر أيار 2023 حالة هي أقرب لـ«أمر عمليات»، والثاني تمثل باستعادة الجيش الروسي لزمام المبادرة وصولا إلى بسط سيطرته على باخموت وأفدييفكا، الأمر الذي دفع بالغرب لمراجعة حساباته من جديد، ومع انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، شهر تشرين أول الماضي، فرض هذا الأخير نفسه كحالة تنافسية مع الأولى، وهي تمظهرت بأشكال شتى بدءا من الإسناد العسكري والمالي الذي كانت له تأثيرات كبيرة على نظيره المقدم لأوكرانيا، مروراً بـ«تشتت» التركيز السياسي والديبلوماسي الأميركيين، الذي تمظهر بطغيان تام لما يجري في غزة على دوائر صنع القرار الأميركي وعلى وسائل الإعلام الأميركية بدرجة بدا معها أن كل ما عداه بات يحتل الدرجة الثانية من اهتمامهما، ثم وصولاً إلى مناخ دولي بات ضاغطاً على الأداء السياسي لواشنطن التي وجدت نفسها عشية التصويت على مشروع القرار الجزائري الداعي لوقف إطلاق فوري للنار في غزة أمام حالة لم تجد نفسها فيها منذ أن تربعت على عرش الأحادية عام 1991، ونتيجة التصويت على ذلك المشروع كانت صارخة، 13 مؤيداً في مواجهة ممتنع واحد هو بريطانيا ومعارض واحد هو الولايات المتحدة المالكة لحق «الفيتو»، والمؤكد هنا هو أن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي كان أول من قرأ ملامح هذه اللوحة الأخيرة، الأمر الذي يفسر ذهابه، في «قمة السبع» الأخيرة، نحو حض قادة هؤلاء على زيادة الدعم العسكري لبلاده، مؤكداً لهم أن الرئيس الروسي يمكن له أن «يخسر تلك الحرب».

يعكس بيان «قمة السبع» الذي أبدى تشدداً تجاه روسيا وحلفائها، الصين وإيران وكوريا الديمقراطية، حالة متناقضة مع الحقائق والمعطيات آنفة الذكر التي كان يفترض فيها أن تنتج مواقف أكثر مرونة، ولذا فإن هذا التشدد يمكن النظر إليه على أنه «تثبيت مواقع» أو محاولة وضع سقوف لمفاوضات مقبلة بات الغرب، بقيادة أميركية، مؤمناً بأن لا مناص منها، ولربما تشهد الأشهر المتبقية من ولاية الرئيس جو بايدن انطلاقة لتلك المفاوضات، بل الوصول إلى نتائج يمكن البناء عليها لإنضاج اتفاق يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار في أوكرانيا، قبيل أن تحل الانتخابات الأميركية التي قد تفرض نتائجها حالة انعطافية تجاه هذه الأخيرة، والراجح هو أن هذه الفرضية سوف تتعزز أكثر كلما ارتفعت أسهم الرئيس السابق دونالد ترامب في «بورصة» الشارع الأميركي، فالأخير سبق له أن أعلن عشية انعقاد «مؤتمر ميونيخ» للأمن يوم 16 شباط الجاري أنه «سيشجع روسيا على فعل ما تريد لدول حلف شمال الأطلسي التي لا تنفق ما يكفي على الدفاع»، والتصريح الذي أرخى بظلاله على هذا المؤتمر الأخير سيظل يفعل فعل «المطرقة» التي يتحسب لها قادة تلك الدول إلى أن تنفض صناديق الاقتراع في واشنطن شهر تشرين ثاني المقبل، فإما أن يتنفس هؤلاء الصعداء، وإما أن يذهبوا نحو الاستعانة بـ«أجهزة الإرذاذ» لتحسين عمل جهاز التنفس لديهم.

من الراجح الآن، رغم تشدد «السبع»، أن تذهب واشنطن بايدن لدفع كييف نحو قبول مبدأ التفاوض مع موسكو انطلاقاً من حقائق الميدان الراهنة، واستناداً إلى خرائط السيطرة على الأرض، حيث من شأن القبول بذينك المعطيين تسريع عجلة التفاوض والتوصل إلى اتفاق شامل قبيل أن يحل «زمن» ترامب الذي تقول المعطيات الراهنة بتزايد احتمالية حلوله.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن