بعد تغيير المدير العام.. هل يتم تعديل القانون؟ … تعرّف على ممرات «الفساد» في قانون الجمارك
| علي نزار الآغا
أعفى رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي مدير عام الجمارك مجدي حكمية من منصبه وكلف فواز أسعد بدلاً منه في إطار تفعيل أداء العمل الحكومي.
هكذا ورد الخبر الرسمي يوم الخميس الماضي من دون أن يتضمن أي توضيحات عن سبب الإعفاء، فيما إذا كان ضمن حملة محاربة الفساد، أو وجود شبهات، كما لم يتضمن أي معلومات عن إحالة الحكمية إلى الرقابة والتفتيش لمحاسبته، أسوة بالأخبار السابقة حول إعفاء بعض المديرين الفرعيين.
مع العلم بأن إعفاء الحكمية جاء بعد أسبوعين تقريباً من قرار مثير للجدل، مدّد عمل الحكمية في منصبه قبل انتهاء مدة خدمته بأربعة أشهر ونصف الشهر، وهو ما بدا وكأنه رسالة طمأنة للحكمية بأنه باقٍ في منصبه بعد تداول أحاديث عن تورطه بمخالفات ضيّعت المليارات على الخزينة.
وحسب معلومات «الوطن» فإن إقالة الحكمية تمت بعد أن قامت إحدى الجهات بمتابعة أعمال الجمارك في المرافئ السورية وتبين لها وجود خلل ومخالفات جسيمة استحق عليها الإقالة. ولم نحصل على معلومات تؤكد أو تنفي إحالة السيد حكمية إلى القضاء.
إلى ذلك، يبقى السؤال الأبرز، هل تغيير المدير العام يحدّ من عمليات التهريب ويضبط جودة الأداء الحكومي؟
الجواب يأتي على لسان مسؤولين قضائيين، أكدوا لـ«الوطن» أن قانون الجمارك يعطي المدير العام صلاحيات فضفاضة، ويزيح السلطة القضائية عن متابعة التسويات التي تتم في الجمارك، ومراقبة الأموال الحقيقية التي تدخل إلى الجمارك والتي تسجل في وثائق التسويات.
إذاً المشكلة الأساسية ليست في إعفاء مدير الجمارك، ومحاسبته، وفي تعيين مدير آخر، لأن ما يمهد الطرق الآمنة لعمليات الفساد هو قانون الجمارك، الذي ظهر وكأنه مفصل على مقاس المدير العام، بمنحه سلطات فضفاضة، إضافة إلى إلغائه أي دور رقابي وإشرافي مباشر على ملفات التسويات، وتقزيمه لدور السلطة القضائية، وإشرافها على التسويات وعلى عمل وأداء الضابطة الجمركية وما يسمى بـ«المكتب السرّي». لذا فمحاربة الفساد في الجمارك، تقتضي إعادة النظر بالقانون وبدليل التسويات، وبصلاحيات المدير العام، وإعادة الاعتبار للسلطة القضائية في مكافحة جريمة التهريب.
ثغرات القانون.. ممرات الفساد
من خلال متابعة تطبيق قانون الجمارك، نجد أن التسويات على البضائع المخالفة «التهريب» تشكل باب الاسترزاق الأساسي في الجمارك، لكون القانون أعطى المدير العام صلاحيات واسعة جداً، تمكنه من طي وترقين ملف أي قضية جمركية، في القضاء المختص (المحاكم الجمركية) قبل اتخاذ الحكم الدرجة القطعية. وهذا ما أكدته رئيسة المحكمة الجمركية انتصار الصالح لـ«الوطن» في مقال سابق.
كما تتم التسويات بمعزل عن السلطة القضائية، ومن دون إشراف من خارج الجمارك، فلا يعلم أحد بالمبالغ الحقيقية التي يتم تحصيلها من المخالفين الذين يسوون وضعهم، والتي تسجل في قيود الجمارك.
مسؤولون قضائيون لفتوا انتباهنا أيضاً إلى فكرة أن قانون الجمارك الفضفاض، موزّع بين مدني وجزائي، بحيث يشتت القضايا، ويعقّد العمل القضائي، وهذا بدوره ما يسهّل عمليات التلاعب والاسترزاق غير المشروع.
كما أن القانون يهمّش دور السلطة القضائية، ورقابتها المباشرة على نشاط المؤسسة الجمركية، المسؤولة عن أمن الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، فعطّل دور المحاكم الجمركية الحقيقي، التي يفترض أن تكون بمنزلة صمام الأمان، في مكافحة جريمة التهريب، والنتيجة نراها اليوم في الأسواق، حيث تسيطر المهربات على 70% تقريباً من البضاعة الموجودة فيها (باعتراف المسؤولين والتجار)، ولا ننسى أن باعة المهربات يدفعون أتاوات للضابطة الجمركية مقابل تجاهلهم، وهذا يدخل في تكلفة البضاعة وتسعيرها، ويزيد من الضغط على السوق السوداء لشراء الدولار لتسديد ثمن المهربات، كما تتضرر الصناعة الوطنية من المنافسة غير العادلة للمهربات. وإلينا في بعض الأسواق التي أصبحت مختصة بالتهريب خير دليل على سوء أداء الجمارك، إذ تعجّ المحال فيها بالمهربات، ولا أحد من الجمارك يقترب منها، في حين يتم توقيف بعض السيارات التي تنقل البضاعة المشتراة منهم، على بعد عشرات الأمتار من السوق وإلا فما هو مبرر وجود المهربات على عينك يا تاجر؟ وهذا ما أكده لـ«الوطن» مسؤولون قضائيون.
كذلك، تتأخر عملية الفصل في القضايا الجمركية بسبب التأخر في التبليغ الذي هو من مهام مديرية القضايا في إدارة الجمارك. ففي بداية العام 2016 هناك نحو 600 ملف بحاجة إلى تبليغ عن طريق الصحف، بمعدل 300 قضية لكل محكمة استئناف. وهذا التأخير يعتبر باباً للمساومة والتلاعب، فلا نص قانونياً يلزم الجمارك بالتبليغ ضمن أطر وفترات محددة، ولا عقوبات في حال تأخير التبليغ.
وبموجب القانون أيضاً، يحق للجمارك توكيل محام خاص، في القضايا التي تكون هي الجهة المدعية، وهذا باب يثير التساؤلات عن احتمال وجود تلاعب، ولاسيما أن نفس المحامين يمكنهم أن يكونوا مع الخصم في دعاوى أخرى، علماً بأن إدارة قضايا الدولة فيها محامون يمكن توكيلهم لضمان حقوق الدولة من الجمارك.
مقترحات أولية
حريّ بالجهات المعنية أن تبدأ التفكير الجدي اليوم بتعديل مواد قانون الجمارك التي تمنح مدير الجمارك صلاحيات مطلقة، وفضفاضة في القضايا الجمركية، ولاسيما المواد المتعلقة بالتسويات، والحدّ من هذه الصلاحيات.
وبحسب مسؤولين قضائيين يجب إشراك السلطة القضائية في موضوع التسويات على المخالفات الجمركية، من خلال إنشاء نيابة جمركية، هدفها تدقيق عملية التسوية من طريقة تعامل الضابطة مع التجار وتنظيم الضبوط، حتى دفع مبالغ التسوية، وتسجيلها في السجلات كما هي، من دون زيادة أو نقصان.
أو يمكن تفعيل عمل المحاكم الجمركية، وتمكينها من الاطلاع على ملفات التسويات، بأن يكون لها دور في إقرار ترقين أي دعوة، لضمان سلامة الموضوع وإغلاق باب المساومة.
كما يجب التفكير بتعديل مواد القانون الخاصة بالتبليغات، وتحويل المهمة إلى إلزامية من عناصر الجمارك وضمن مدة محددة، وتضمينها عقوبات لمن يخالف. والاستفادة من المحامين الموجودين في إدارة قضايا الدولة، وتوكيلهم من الجمارك في دعاواها.
ومن المفيد أيضاً إدخال الجهاز المركزي للرقابة المالية على خط تدقيق التدفقات المالية في الجمارك، وإصدار تقرير رقابي شهري. وتشديد الرقابة على أداء عناصر الضابطة الجمركية، وإدخال مواد جديدة في القانون، تتضمن عقوبات رادعة بحق المخالفين، ومواد تحدد آلية المداهمة، وشروطها، ومواد تعطي الحق لمن تعرض للإساءة من عناصر الضابطة الجمركية، بالشكوى، أمام القضاء المختص.
شهود من قانون الجمارك
أبرز المواد التي تعطي مدير عام الجمارك سلطات فضفاضة وتقيد دور السلطة القضائية في الإشراف على التسويات، المادة (218) التي تنصّ على أنه «لا يجوز رفع الدعوى في المخالفات الجمركية إلا بناء على طلب خطي من المدير العام أو مدير الدائرة. ويجوز للمدير العام في القضايا المهمة التعاقد مع محام خاص لمباشرة الدعاوى خلافاً لأي نص».
والمادة (219) التي تنص على أنه «للمدير العام أو من يفوضه وفقاً لدليل التسويات أن يعقد التسوية عن المخالفات قبل إقامة الدعوى أو خلال النظر فيها أو بعد صدور الحكم وقبل اكتسابه الدرجة القطعية وذلك بالاستعاضة كلياً أو جزئياً عن الجزاءات والغرامات الجمركية المنصوص عليها في هذا القانون بغرامة نقدية لا تقل عن (50%) من الحد الأدنى القانوني لمجموع الغرامات الجمركية عن المخالفات المنصوص عليها في المادتين 277 و278 من هذا القانون..».
وبموجب المادة (220) من قانون الجمارك «للمدير العام أو من يفوضه أن يعقد التسوية مع جميع المسؤولين عن المخالفة أو مع بعضهم، وعليه في هذه الحالة الأخيرة أن يحدد ما يخص كلاً منهم من مبلغ الغرامة الجمركية الواجب دفعها بنسبة مسؤوليتهم وتبقى جميع العقوبات وما يتبقى من غرامة جمركية مترتبة على عاتق من لم يشملهم عقد التسوية».
ونصت المادة (222) على أنه «للمدير العام أو من يفوضه بذلك أن يتجاوز عن المخالفات عند وجود أسباب مبررة سواء أكان ذلك قبل نظر القضية أمام المحكمة الجمركية أم خلال النظر فيها في جميع مراحل التقاضي أو بعد صدور الحكم وصيرورته مبرماً باستثناء عقوبة الحبس التي صدر بها حكم مبرم..».
أما النصوص الموجودة في قانون الجمارك التي لا تلزم أحداً بالتبليغ عن القضايا، فهي المادة (235) التي تنص على أنه «يجوز لموظفي الجمارك ورجال ضابطتها أن ينظموا ويبلغوا جميع الأوراق الجمركية بما في ذلك قرارات التحصيل والتغريم» وتستكمل المادة الموضوع المادة (236) التي نصت على أن «يجري التبليغ وفق الأصول المحددة في قانون أصول المحاكمات مع مراعاة الحالتين التاليتين: 1- إذا غير المطلوب تبليغه مكان إقامته المختار أو مكان عمله بعد تاريخ محضر الضبط المنظم بحقه من دون إعلام دائرة الجمارك خطياً بذلك أو إذا أعطى عنواناً مخالفاً يجري التبليغ بالإلصاق على مكان إقامته أو مكان عمله الأخيرين وفي لوحة إعلانات المكتب الجمركي المختص ويثبت ذلك بمحضر ضبط. إذا كان المطلوب تبليغه مجهولاً أو غير معلوم الموطن وكانت قيمة البضاعة موضوع المخالفة الجمركية لا تزيد على 100000 مئة ألف ليرة سورية يجري التبليغ بالإلصاق في لوحة إعلانات المحكمة الجمركية والدائرة الجمركية المختصتين ويثبت ذلك بمحضر ضبط. 2- أما إذا كانت قيمة البضاعة تتجاوز المبلغ المذكور فيجري التبليغ بالإلصاق على لوحة إعلانات المحكمة والدائرة الجمركية والإعلان في صحيفة يومية ويثبت ذلك أيضاً بمحضر ضبط. تثبت واقعة التبليغ بالإلصاق بمحضر موقع من اثنين من موظفي الجمارك أو رجال ضابطتها».