من دفتر الوطن

جرائم «جي بي إسية»

| فراس عزيز ديب

«الجهل بالقانون لا يعني عدمَ خضوعك له»، ربما من محاسن هذهِ العبارة أنك لستَ بحاجةٍ كي تدرس القانون لتعرفها، هذه العبارة بسياقات مختلفة مثلاً يجب أن يجري تعليمها للأطفال لكي يفهموا بأن الحقوق ليست منحة ولا مكرمة من الدولة والواجبات ليست كرم أخلاق من المواطن، بمعنى آخر وفي مجتمعاتنا تحديداً، قد نعترف بأن هناك من يبحث عن ثغرات في القانون لتجاوزه بعدَ ساعاتٍ من دخوله حيز التنفيذ، لكن في الوقت ذاته دعونا نعترف بأن الكثير من التجاوزات ناتجة عن جهلٍ بالقانون أو بأدوات اكتشاف التجاوزات.

مع الانفجار الحضاري المذهل للتكنولوجيا قد نستقي من هذه العبارة ما يناسبها بالقول: «الجهل بالتكنولوجيا لا يعفيكَ من عقوبةِ عدم الالتزام بمعاييرها» كقيام شخص مثلاً بإزعاج إحداهنَّ برسائل الحب والغرام ظنَّاً منه بأن أحداً لن يراه بعد حذف الرسائل والمكالمات، هذه الحالة من الجهل بالتكنولوجيا قد تكون عواقبها شخصية، لكن عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات والإدارات العامة تكون نتائجها كارثية على الجميع.

عندما تم اعتماد فكرة جهاز التتبع المثبت على المركبات العامة عمَّ التفاؤل بانزياح أزمة المواصلات عبر توقف السيارات العامة عن المتاجرة بالوقود المدعوم، لكن مع توالي الكشف عن قيام مجموعة من السائقين بالغش عبر تركيب عدة أجهزة في مركبة واحدة لتضليل المراقبين، فإن هذا الأمر وبعيداً عن العواطف يطرح سؤالاً منطقياً:

هل قامت الإدارات المعنية بتقديم شرح كامل وواف للسائقين عن آلية عمل جهاز التتبع وبالتالي حثهم على تجنب أي محاولة للغش لأن اكتشافهم سيكون سهلاً؟

بصراحة مطلقة الطريقة البدائية التي تتم فيها محاولات الغش وعملية اكتشافها التي لا تحتاج حنكة ولا حتى تقنيات عالية تثبت بأن هؤلاء السائقين والذين بمعظمهم كما العادة في مجتمعاتنا ليسوا من أصحاب التحصيل العلمي لم يخضعوا لأي حصة تدريبية تشرح لهم بأن عملية اكتشاف غشهم سهلة جداً، عبر توازي مسارات تحرك أجهزة التتبع، بل أكاد أجزم بأن هؤلاء السائقين لو عرفوا سهولة اكتشافهم لما أقدموا على ما أقدموا عليه، حتى المجتمع المدني عليه أن يأخذ المبادرة في ذلك عبر حملات توعية لهؤلاءِ السائقين، هذا الكلام لا ينطبق على هذه التجاوزات فحسب بل في الكثير من القطاعات هناك إصرار غير مفهوم على تجهيل الكوادر والمستخدم لهذه الإدارة فمن صاحب المصلحة بذلك؟

بصراحة لا جواب لدي، كل ما يمكنني قوله هو أن أستقي من العبارة المفتاحية لهذه الزاوية:

جهلك بأساسيات الإدارة لا يعني أن تحول المواطن الذي يتعاطى مع إدارتك كمشبوه بانتظار اكتشافه لتحقيق انتصارات فيسبوكية، دور الإدارات إغلاق كل المنافذ التي تجعل المواطن مشبوهاً أولها.. جهله بالأشياء التي قد تضعه خلف القضبان!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن