شؤون محلية

التسول بالوصفة الطبية..!!

| ميشيل خياط

نصادف على أبواب الصيدليات، وتحت أشجار الأرصفة، ومداخل الأبنية، من يحملون في إحدى أيديهم وصفة طبية، يتسولون ثمنها من المارة.

منهم من يردد كلاماً مؤثراً، ومنهم من يظل صامتاً.

وفي الحق، كانت الموافقة على الزيادات المتلاحقة لأسعار الأدوية في سورية، موجعة جداً، لا يقوى على تحملها المتقاعدون بشكل خاص.

إليكم هذا المثال في بلد كان يلقب ببلد الفقير:سورية.

مثل الكثير من أمثاله كمدخن، وفي سياق موجة برد طفيفة في هذا الشتاء الدافئ، ازداد سعاله وقشعه، فتوجه إلى المشفى الحكومي الأهم «مشفى دمشق».

قطع وصلاً بأجر الفحص الطبي، شعبة الصدرية 200 ليرة سورية، فحصوه وطلبوا له إجراء طبقي محوري مع الحقن، قطع وصلاً بـ17 ألف ليرة أجرة الصورة وعندما جاء دوره، رفض الحقن لأنه يكلف 200 ألف ليرة سورية إذ يجب عليه جلب المادة من خارج المشفى.

الله لطف، لا أورام في الصورة، وفرحت الدكتورة وكأن المريض والدها، وهنأته أن الأمر بسيط، يحتاج إلى أدوية عابرة وأخرى مزمنة (بخاخ)، تبين لاحقاً أن ثمنه «نفض» إلى 54 ألف ليرة، وكان حتى وقت قريب بـ11ألف ليرة وجهاز حقن بـ(35 ألف ليرة) ومضاد التهاب 52 ألف ليرة ولم يكن سعره تاريخياً في سورية أكثر من عشرة آلاف ليرة وشراب للسيطرة على السعال بـ37 ألف ليرة «نط» من 7 آلاف ليرة، استغرب الصيدلي ذهول المريض، وقال: وصفة بأقل من 200 ألف ليرة بقليل، هي لاشيء الآن في سوق الدواء.

ثلثا راتبي التقاعدي، أجاب المريض، ومشى.

وصدق من قال: لا صحة من دون دواء.

ماذا استفاد من الفحص الطبي المجاني ومن الصورة الشعاعية الرخيصة جداً230 ليرة، ومن فحص وظائف الرئة المجاني أيضاً ومن الطبقي المحوري بأجره الرمزي، حتى ولو ذهب إلى قسم الإسعاف، سيكتبون له وصفة، يجب عليه الحصول عليها من صيدلية خارج المشفى.

لعله حمل الوصفة الطبية بإحدى يديه وتسول ثمنها، إذ لا بديل آخر أمامه، فإما أن يتفاقم المرض إلى حد ضيق التنفس الشديد، والرحيل الأبدي، أو التسول.

إن راتبه التقاعدي قد فقد قدرته على الإعالة، فما بالكم بمن لا راتب له.!!

نتحدث هنا عن ملايين السوريين لا عن شريحة استثنائية، ملايين من المتقاعدين والموظفين غير المحتكين بالمراجعين وعمال القطاعين العام والخاص، سواء في الشركات الإنشائية أم المصانع، ومن لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى وظيفة.

لست أدري كيف تجاهل من سمح برفع أسعار الدواء عدة مرات تباعا، هذه الشريحة الكبرى من المواطنين، هم الجزء الأكبر من شعب هذا البلد الصامد بفضلهم.

ليس صحيحاً أبداً أن رفع الأسعار أفضل من الفقدان، إنهما متماثلان، لأن الغني لا يكترث بل يطلب الدواء الأغلى «المهرب» معتقداً أنه الأفضل، ومعروف أن أرباح مصانع الأدوية هائلة، لأن إنتاجها كبير جداً.

ومثل من أجاز رفع أسعار الأدوية بهذا الشكل الصارخ كمثل العديد من الوزراء والمديرين الذين يتبارون اليوم في زيادة أجور الخدمات العامة وأسعار بعض المواد والمنتجات كالكهرباء والبنزين والمازوت والاتصالات الهاتفية والخليوية، فيفاقمون وجع المواطن مع نقص المال اللازم للحياة.

إنهم جميعاً يتجاهلون أن الأجور في سورية ولاسيما لشريحة المتقاعدين وورثتهم، وللعاملين في القطاع العام، هي أقل من حقهم المشروع بأجر يساوي قيمة عملهم ب75 المئة على الأقل.

وليس ذنبهم أن الإدارات الفاشلة قد جعلت عملهم غير مربح ربحاً مجزياً.

تاريخياً كانت الأجور في سورية «غرائبية» لكن الدعم الحكومي لأسعار السلع الأساسية والخدمات الحيوية كان يحقق بعض التوازن.

وإلى أن نهتدي إلى حل للأزمة المعيشية الطاحنة، يجب معاملة الدواء كالخبز والماء والهواء، ويجب ألا يخرج المضطر إلى العلاج في المشافي العامة دون دواء.

أمنوا الدواء من المنظمات الإنسانية العالمية، وهذا واجبها، بدلاً من إنفاقها لحصة سورية، على خبراء لا ضرورة لهم، وملتقيات في الفنادق الفخمة بلا محتوى مفيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن