قضايا وآراء

أهم كاتب وروائي إسرائيلي: على دول العالم إيقاف الحرب على القطاع

| تحسين حلبي

بعد الصمود التاريخي أمام حرب الإبادة الشاملة التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة طوال أكثر من خمسة أشهر، أصبح من المؤكد ألا يعود الوضع في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، مثلما لن يعود الوضع الإسرائيلي من نواح داخلية وخارجية إلى ما كان عليه أيضاً، فعلى الساحة الفلسطينية الداخلية أصبحت طرق ووسائل الوحدة الوطنية معبدة أكثر من أي وقت مضى منذ الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، أو بعبارة أخرى بين القطاع ورام الله، وهذا ما ظهر جلياً في وثيقة الإطار التي توحدت حولها، برعاية روسية، الفصائل الفلسطينية التي شاركت في اجتماعات موسكو في 29 شباط الماضي ووقعت عليها ومن بينها حماس والجهاد الإسلامي، وبهذه الوثيقة الإطار تمكنت الساحة الفلسطينية الداخلية في القطاع وفي الضفة الغربية من رسم مبادئ وقواعد العمل المشترك لمرحلة ما بعد «طوفان الأقصى» تجسيداً لصمود الشعب الفلسطيني رغم حجم التضحيات والدمار الذي شهده القطاع، وبالمقابل ما زال الكيان الإسرائيلي على الجبهة الأخرى يتخبط بانقسامات وتمزق داخلي لدى مختلف أحزاب الائتلاف الحاكم، ويزداد أكثر فأكثر انعدام ثقة المستوطنين بقدرة الحكومة والجيش على حمايتهم بعد الثمن الذي دفعوه من الخسائر البشرية والتهجير من المستوطنات وقتل الأسرى الإسرائيليين بيد الجيش نفسه.

لقد ولد هذا الوضع الإسرائيلي الداخلي غير المسبوق بهذا الحجم، وتنديد الرأي العام العالمي بالمذابح التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، تأثيرا لا يمكن تجاهل ضغوطه على إسرائيل في الساحة الدولية السياسية حتى من الولايات المتحدة، الحليف الإستراتيجي والرئيسي، بل شهدت هذه الساحة حالة تنديد غير مسبوقة بإسرائيل من نسبة لا بأس بها من اليهود الأميركيين الذين يشكلون 50 بالمئة من يهود العالم، وأدرك عدد من المفكرين الصهيونيين الإسرائيليين أهم المضاعفات التي حملتها حرب الإبادة الإسرائيلية بعد السابع من تشرين أول وخوفهم من مضاعفاتها على مستقبل إسرائيل، وكان في مقدمهم أهم كاتب سياسي وروائي إسرائيلي الحائز جائزة «إسرائيل في الأدب» ديفيد غروسمان، حين نشر مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في الأول من آذار الجاري بالإنكليزية في محاولة امتصاص حالة الغضب العالمية من المذابح الإسرائيلية ثم نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بالعبرية، ففي هذا المقال طالب غروسمان دول العالم «بالتدخل لإيقاف هذه الحرب وندد بإسرائيل على مذابحها ضد الفلسطينيين»، وحذر من «تزايد كراهية العالم لليهود بسبب هذه المذابح غير المبررة»، وقال: «إنني أتساءل كإسرائيلي أي نوع من البشر سنكون حين تنتهي هذه الحرب وإلى من سنوجه إدانتنا إذا أردنا أن نمتلك الشجاعة الكافية للشعور بالإدانة على ما قمنا به ضد الفلسطينيين الأبرياء، على آلاف الأطفال الذين قتلناهم وعلى العائلات التي دمرناها، فإسرائيل تحولت إلى ثكنة عسكرية بعد السابع من تشرين بدلاً من أن تكون بيتا، ودون أن تقدم أمنا أو طمأنينة»، ويضيف بلغته: «أصبح الجيران (الدول المجاورة) تراودهم شكوك ومطالب كثيرة من غرف هذه الثكنة وجدرانها، وفي بعض الأحيان من وجودها بالذات، وفي ذلك السبت الأسود المروع اتضح أن إسرائيل ما تزال بعيدة عن أن تصبح بيتا بما تعنيه هذه الكلمة، بل لا تعرف حتى كيف تصبح ثكنة حصينة حقا».

ثم تساءل غروسمان: «في وضع كهذا من سيبقى هنا في إسرائيل، وهل سيكون الذين سيبقون هم الأكثر تطرفاً والأكثر تديناً وقومية وعنصرية؟ وهل هو قدر علينا أن نرى هذه النتيجة»؟

ويختتم مقاله قائلاً: «بعد هذه الحرب أصبحت إسرائيل الدولة الوحيدة بالعالم التي يطالبون بتصفية وجودها بأكثر الأشكال العلنية أثناء التظاهرات والمسيرات التي يشارك فيها مئات الآلاف في كل أنحاء العالم وفي الجامعات المهمة وفي شبكات التواصل الاجتماعي وكل مساجد العالم، وفي وضع كهذا لابد من الخضوع لحل يقوم على وجود دولتين».

إذا كان هذا المفكر الإسرائيلي يتحدث عن مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول، بهذه الاعترافات الصريحة التي أجبرته عليها عملية «طوفان الأقصى» وما بعدها في وصفه للوضع الإسرائيلي، فهذا يعني أننا أمام وضع إسرائيلي غير مسبوق بخوفه من صمود شعبنا وقدرته على تحقيق أهدافه بعد كل هذه التضحيات والمقاومة غير المسبوقة من فصائله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن