ثقافة وفن

(المخ السعيد) وتحديد مصادر السعادة … تحسين الصحة الجسدية يعني وجود طاقة أكبر لعمل أشياء تدعو للسعادة

| هبة اللـه الغلاييني

يعد كتاب (المخ السعيد) للكاتب (دين برينت) ومؤلف كتاب (المخ الأبله) أيضا، كتاب مهم يبحث عن مصادر السعادة وأسبابها وسأتحدث الآن عن علاقة العمل بالسعادة.

إن التعريف الأبسط للعمل هو «الطاقة والجهد المبذولان لإنجاز مهمة ما». تتطلب منك كل الوظائف والمهام في الأساس أن تبذل طاقة وجهداً بطريقة ما، قد يكون بدنياً أو ذهنياً. لكن حتى على هذا المستوى البسيط والأولي يخلف العمل تأثيراً ملحوظاً على المخ قد يجعلنا سعداء، وعلى الأرجح يقوم بذلك.

قوة القلب

تشير الأدلة إلى أنه كلما كنت نشطاً بدنياً، كلما عمل مخك بشكل أفضل. هذا منطقي، يحتاج المخ – كعضو بيولوجي- إلى طاقة ومغذيات (أكثر من الأعضاء الأخرى). إن الزيادة في النشاط البدني تقوي القلب وتحسنه، وتحد من الدهون والكولسترول، وتسرع عملية الأيض، فيبدو كل ذلك إلى تحسين إمداد الدم والمغذيات للمخ، ما يعزز قدرتك على فعل.. في الواقع، أي شيء.

يبدو أن للنشاط البدني تأثيراً «مباشراً» بشكل أكبر على المخ، عن طريق زيادة إنتاج عامل التغذية العصبية المستمد من المخ، وهو بروتين يحفز نمو وإنتاج خلايا المخ الجديدة. قد يفسر هذا الفوائد العصبية العديدة المذكورة للنشاط البدني، كتحسين القدرة على التعلم والذاكرة، إضافة إلى زيادة نسبة المادة الرمادية المنتشرة في المخ. تشير الدراسات أيضاً إلى أن الأطفال يشاركون في أنشطة بدنية معتدلة بمعدل أكبر، يؤدون بطريقة أفضل في الاختبارات الأكاديمية.

الفوائد الإيجابية

إذاً، إن كان عملنا يجبرنا على المشاركة في نشاط بدني، سيكون لذلك فوائد إيجابية على المخ قد تجعلنا أكثر سعادة. إن تحسين القابلية للتعلم والقدرات المرتبطة بالذكاء- كما يزعم، ورغم وصف « ينعم بالجهل» الذي نستخدمه في بعض الأحيان- تشير الأدلة إلى أن الزيادة في الذكاء تجعلك (إلى حد ما أسعد). إن التمارين الرياضية تفرز الإندروفين، المادة الكيمائية المسؤولة عن السعادة والطبع، فتحسين الصحة الجسدية العامة يعني أن لدينا طاقة أكبر لفعل الأشياء التي تجعلنا سعداء، لأننا لن نكون سعداء نتيجة الاعتلال الصحي والتوتر الناتجين عن عدم ممارسة الرياضة.

على النحو ذاته، النشاط الذهني أيضاً له فوائد جلية للمخ والجسد. إنه خبر جيد لأولئك الذين لا تحملهم وظائفهم على القيام بأي مجهود بدني أكثر مما يلزمهم للوصول إلى المكتب في موعدهم. ثبت أن المستويات الأعلى من التعليم تشكل حماية لا بأس بها ضد العته، والزهايمر، لدرجة أن تشريح الجثث كشف عن أشخاص من ذوي التعليم العالي تدهورت أمخاخهم بدرجة كبيرة بفعل المرض، لكن لم يظهر عليهم أي علامات للمرض قبل الموت. إذاً فالاستنتاج العام هو أن العقل الأكثر نشاطاً هو أيضاً أكثر صلابة.

مرونة المخ

نعلم أن المخ مرن ومتكيف، ويكون اتصالات جديدة باستمرار، ويعزز تلك الموجودة بالفعل، كما أنه يدع الاتصالات غير الضرورية تتلاشى. يعتمد المخ على سياسة قريبة من سياسة « استخدمه أو افقده»، كلما زاد استخدام المخ زادت الروابط والمادة الرمادية التي يمتلكها. تؤثر السن والضمور سلباً بالطبع، لكن كلما كان المخ مستخدماً جيداً صمد أمامه بصورة أفضل. لدى المخ «احتياطي معروف» كما يطلق عليه. كلما استخدمنا أمخاخنا أصبحنا أمهر، شيء من هذا القبيل.

لذا، فالعمل يعني انخراطنا في شكل من أشكال النشاط البدني أو الذهني، أو كليهما معاً، وهذا يحسن (في نهاية المطاف) من عمل أمخاخنا فيجعلنا أذكى وأسعد، إنه لأمر سهل.

توجد مشكلة واحدة فقط تتعلق بهذا الاستنتاج، هي أنه محض هراء. من المؤكد أن النشاط البدني، والعمل المجهد، وتحسين عمل المخ، والسعادة كلها أشياء متصلة، ولكنه جلي أيضاً أن الأمر أكبر من ذلك.

مصدر السعادة

على سبيل المثال، لو كان المجهود البدني يجعلنا سعداء فلماذا نتجنبه باستمرار إذاً؟ لماذا لا نهرول إلى المحجر من أجل وردية مدتها تسع عشرة ساعة من الحفر في الصخور بأيدينا العارية؟ إن كان الجهد البدني مبهج بشكل واضح هكذا، فالعمال الغانيون الذين يقضون اليوم بأكمله يزحفون فوق جبال من المخلفات المعدنية المدببة، وينبغي أن يكونوا أكثر سعادة من مديري الشركات الذين يجلسون في غاية الارتياح إلى طاولات مكاتبهم الشاهقة الشاسعة المساحة، إن أقل ما يوصف به هذا الاستنتاج أنه مشكوك في صحته.

في الواقع، في حين يعد المجهود البدني بفوائد نافعة للغاية، فقد يصبح على النقيض ضاراً ومؤلماً، وهذا ما يجعل (العمالة القسرية) معترفاً بها علمياً كوسيلة عقاب لا ثواب. وطبقا للفيزياء الأساسية، فالانخراط في نشاط كهذا، يتطلب قدراً من الطاقة. تستخدم أجسادنا الطاقة وتحفظها حفظاً جيداً، لكنها تبقى محدودة بشكل واضح، أي أنه لا يمكننا الاستمرار في العمل بلا نهاية، إن النشاط البدني المبالغ فيه يعني استنفاد مخزون الطاقة لدينا، وتضرر أجسادنا.

لا تحب أمخاخنا بذل الجهد من دون جدوى واضحة، وعندها تقرر أمخاخنا أننا لا نحب شيئاً ما، يحفز الانخراط فيه مشاعر وتصورات سلبية. فالعمل من دون عائد واضح يجعلنا أشقياء! إذا قضيت ساعات في تجميع خزانة ملابس مسطحة، كي تنهار عندما تضع بداخلها جورباً، سيتباين رد فعلك بين اليأس الساحق إلى الغضب البالغ، لكن بكل تأكيد لن تكون سعيداً.

أحياناً قد نقضي شهوراً في إعداد طلب لمنحة أو مشروع فقط كي يتم رفضه. تقوم ما بوسعك يومياً، لكن يتم تأجيل ترقيتك باستمرار. تتعامل بأدب مع العملاء فقط ليكونوا بذيئين ووقحين معك. تذهب سنوات حصاد عملك من دون جدوى حينما تخضع شركتك للاندماج. إن طبيعة معظم الأعمال الحديثة تتسم بكونه من السهل أن تمر شهور متواصلة من اللاجدوى، لذلك فلا عجب أن العديد من الناس (إن لم يكن أغلبهم) يشيرون إلى العمل بطريقة سلبية في العموم، وعادة ما يستيقظون بشعور من اللامبالاة في أحسن الأحوال، أو الفزع في أسوئها عند الاستيقاظ صباح أول أيام الأسبوع.

قد يكون بذل الجهد البدني جيداً لأمخاخنا، وله تأثير إيجابي على إدراكنا وسعادتها بوجه عام، لكنها عملية بطيئة وخفية. وعلى العكس، فبذل الجهد بلا مقابل واضح هو سبب مؤكد لتصنف أمخاخنا عملاً ما على أنه غير سار، إن بذل الجهد بلا مكافأة واقعة شائعة جداً، بسبب طبيعة العديد من الوظائف الحديثة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن