من دفتر الوطن

صندوق الفرجة!

| عصام داري

من غير سبب منطقي وجدت نفسي أتذكر صندوق الفرجة الذي كان على زماني مدهشاً بما يقدمه من حكايا من خلال الصور التي كنا نشاهدها من كوة صغيرة في ذلك الصندوق العجيب، مع شرح للراوي، أي صاحب الصندوق، فتتكون عندنا قصة شبه مكتملة تسلينا وتدخلنا في مغامرة صغيرة تتناسب مع أعمارنا.

صندوق الفرجة هو التلفاز اليوم، أو الكومبيوتر وغيره من الأجهزة التي احتلت حياتنا بالطول والعرض ولم يعد باستطاعتنا التخلي عنها ولو لدقائق معدودات.

لكن«الفرجة» صارت على مسرح الحياة وعلى مدار الساعة، فحياتنا اليومية صارت هي الفرجة، ومن يريد ترجمة عملية لكلامي عليه أن يقوم بجولة واسعة النطاق في مدننا وقرانا وبلداتنا ليكتشف تفصيلات الفرجة، منها المفرح القليل، ومعظمها الحزين!.

تذكرون من دون شك المشهد الأخير من مسرحية «كاسك يا وطن» للفنان الكبير دريد لحام والكاتب الرائع الراحل محمد الماغوط، ذلك المشهد الذي يندرج تحت مسمى الخيال الأدبي، أو المسرحي الافتراضي.

وتذكرون من دون شك الحوار بين بطل المسرحية دريد لحام الذي باع أولاده بأبخس الأثمان وبين والده الشهيد الذي جسده الفنان الراحل شاكر بريخان، عندما كان دريد لحام يكذب على والده ويقلب الأمور رأساً على عقب ويقدم صورة وردية لمجتمعنا كي لا يقدم الصورة الحقيقية الصادمة والتي هي على النقيض تماماً من الصورة المثالية.

المهم أن قمة المأساة تتجسد عندما يقول بطل المسرحية لوالده الشهيد إن: «الأجانب والسياح يأتون من كل أنحاء العالم ليتفرجوا على العدالة والنظام والقانون.. اللـه وكيلك يا أبي صرنا فرجة»!

هل وصلنا إلى هذا الحد؟، وهل صرنا فرجة حقاً؟

نعيش أيامنا يوماً بيوم، وكما أقول دائماً:نبحث عن خبزنا كفاف يومنا، لا نريد قصوراً ولا سيارات فارهة، وطدنا أنفسنا على التعايش مع الظروف مهما كانت قاسية، نسينا الكماليات بالمرة، لكن نخشى أن نستيقظ غداً لنجد خبزنا صار من الكماليات والتحق بقافلة اللحوم والفواكه والمكسرات وغيرها من الكماليات التي تعرفها الحكومة أكثر مني بكثير!.

هل أصبحت المحروقات من الكماليات؟ هل أضحت الاتصالات من الكماليات أيضاً؟

نتمنى على من بيده الحل والربط أن يزودنا بجدول مكتوب بالبنط العريض يتضمن التعريف الخاص والحصري للكماليات والممنوعات على عباد اللـه غير الصالحين، ونحن منهم.

نعد الحكومة ألا نهرب أموالنا المنقولة وغير المنقولة إلى خارج الوطن، وألا نقيم أعراس أبنائنا وأحفادنا في فنادق الخمس نجوم وأعياد الميلاد التي تصرف فيها الأموال من دون حساب.

نعدكم بأننا سنوفر المليارات التي سنصرفها في إقامة سهرات أعياد الميلاد وما تتطلبه من جنون ومجون ونصرفها في إطعام البطون، هذا وعد نقطعه على أنفسنا، لكن عليكم أولاً أن تعلمونا طرق جني المال ونعلمكم بدورنا طريقة صرف الأموال وطريقة توزيع المساعدات حيث لا تصل إلى البسطات!

أخيراً، نرجوكم أن تمنحونا قليلاً من الهواء فقد أوشكنا على الاختناق، وأن تزودونا بالكثير من صناديق الفرجة فقد صارت حلمنا الوحيد.!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن