قضايا وآراء

الغرب الاستعماري وشعار حظر «معاداة السامية»!

| تحسين حلبي

في السنوات الماضية تمكنت الحركة الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي من فرض مفهوم يعد كل معارضة ومناهضة للصهيونية ولإسرائيل جريمة يجب معاقبة مرتكبها بتهمة معاداة السامية، أي معاداة اليهود، ووضع الكونغرس الأميركي في شهر أيار 2021 في تعريفه أشكال معاداة السامية وضرورة حظرها وإدانتها كجريمة تستوجب العقاب بما يتطابق مع هذا المفهوم وتعريف أشكاله التي حددت من قبل الحركة الصهيونية والكنيست- البرلمان الإسرائيلي، ومنح الكونغرس الرئيس الأميركي صلاحية تعيين مبعوث خاص له برصد ومراقبة كل من لا يحظر كل أشكال معاداة السامية في دول العالم، وقامت فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون بتبني تعريف يتطابق مع هذا التحديد الأميركي من أجل حظر معاداة السامية، أي حظر أي انتقاد للصهيونية ولإسرائيل.

على هذه القاعدة منح الكونغرس للرئيس الأميركي حق تعيين مبعوث خاص له لرصد ومراقبة كل من لا يحظر كل أشكال «معاداة السامية» في دول العالم، وأصبح هذا القانون والمفهوم جزءاً من سياسة الاتحاد الأوروبي وعدد من دوله، وكان العالم قد شهد بعد الانتصار على النازية بعد الحرب العالمية الثانية، حملة كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة والعالم كله باسم مناهضة كل أشكال النازية ومفاهيمها وسياستها العنصرية وحظر ممارستها أو الدعوة لها، ولكن القوى الغربية مع ذلك لم تمنع ظهور أحزاب تتبنى النازية وتحمل شعارها الألماني المعروف بالصليب المعقوف وتدافع عن مبادئ النازية حين كانت تظهر بين فترة وأخرى أحزاب أو مجموعات سياسية ترفع هذا الشعار علناً، وكان آخرها حين ترأس حزب يورغ هايدير صاحب الاتجاه النازي في النمسا حكومة ائتلافية عام 2000 ثم حُوصر من الأحزاب الأخرى وسقط، لكن الدول والقوى التي تبنت حظر معاداة السامية دأبت على استخدام هذا الشعار لمنع أي وجود شرعي أو قانوني لكل من يعد الحركة الصهيونية عنصرية أو يندد بالاحتلال الإسرائيلي وسياسة كيانه العنصري القائمة على إبادة الشعب الفلسطيني وهويته وتاريخه، بل إن هذه القوى الغربية الاستعمارية اتهمت كل من يناهض السياسة الإسرائيلية بالإرهاب، وهذا ما جعل الغرب الاستعماري يضع منظمة التحرير الفلسطينية وكل من ينتمي لها، وكل من يدعم حقوق الشعب الفلسطيني، في قائمة المعادين للسامية.

ومع ذلك تمكنت مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة الوحشية التي تعرض لها خلال الأشهر الخمسة الماضية أن تحول كل شعوب العالم وداخل أوروبا وأميركا أيضاً، إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني والتنديد بإسرائيل ومذابحها في قطاع غزة حين رفع ملايين الأفراد في هذه المعمورة شعارات التنديد بإسرائيل وسياستها لإبادة شعب، فهل ستتهم هذه الشعوب بمعاداة السامية؟

إن تعريف ومفهوم معاداة السامية كان ولا يزال مجرد وسيلة استعمارية ابتدعها الغرب الاستعماري لاستغلال يهود العالم وتبرير العنصرية، فشعار وتعريف معاداة السامية لا وجود له في الشرق العربي والإسلامي تاريخياً ولم تصنعه سوى الحركة الاستعمارية التي أنشأت الحركة الصهيونية لليهود في منتصف القرن التاسع عشر وصاغت مبادئها العنصرية لتفتيت وحدة ومستقبل هذه الأمة، وأصبح الواقع السياسي الاستعماري الذي تواطأ مع النازية لا يكترث بالنازية الأوروبية بل بالخطر الذي تشكله حركة التحرر ومناهضة الاستعمار في هذه المنطقة، ولذلك شكل الغرب من الحركة الصهيونية العنصرية جبهة الحرب الرئيسة والمركزية التي يستند إليها لمنع شعوب هذه المنطقة من تحقيق استقلالها وبناء مستقبلها المشترك الموحد، وحين اهتز هذا الكيان العنصري وجيشه طوال الأشهر الخمسة الماضية من هول عملية طوفان الأقصى، كان من الطبيعي أن تتصدع في العالم وتنهار كل السياسات والشعارات التي أرادوا فرضها على قاعدة حظر كل أشكال مناهضة الاحتلال الإسرائيلي وأهدافه في إبادة شعب بحجة معاداة السامية، فهذه الحجة الواهية تعني أن يستسلم الشعب الفلسطيني للحركة الصهيونية وكيانها من دون قيد أو شرط، وأن يتخلى عن المطالبة بحقوقه في وطنه التاريخي، لكن حركة الرأي العام العالمي المنددة بإسرائيل في كل أرجاء الكرة الأرضية، أسقطت حسابات الحكومات الاستعمارية حين رأت أن شعوبها أو الأغلبية من شعوبها لا تخدعها شعارات تتحدث عن حظر معاداة السامية حين تعمل بشكل منافق يثير التهكم على منع أي انتقاد أو مناهضة للصهيونية وعنصريتها العلية، وأي انتقاد ومقاومة لاحتلال دام 75 عاماً يريد إبادة شعب في وطنه التاريخي، وفي الختام هل ستجرؤ الحكومات الاستعمارية على محاكمة شعوب الأرض كلها لأنها نددت بإسرائيل والصهيونية بتهمة «معاداة السامية»؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن