واشنطن تريد صورة جنيف فقط!!
| باسمة حامد
لا مشكلة لدى واشنطن حتى لو تأجلت المحادثات السورية– السورية في جنيف يوماً أو يومين، فالتواريخ وفق موفد الأمم المتحدة «ليست مقدسة».. بل لا مشكلة لديها إن بدأت بثلاثة وفود وربما أكثر «للمعارضة»!!
وفي الواقع، أن انعقاد الحدث الذي ستشهده العاصمة السويسرية هو الأهم أميركياً بهذه المرحلة لاستثماره بالانتخابات الرئاسية وتسويقه عالمياً كإنجاز دبلوماسي للرئيس الحالي قبل مغادرته البيت الأبيض، كيف لا وهو الذي قدّم نفسه للعالم كبطل سلام في الاتفاق النووي الإيراني وبتنازله عن قراره توجيه ضربة عسكرية إلى سورية مقابل تسليمها ورقة السلاح الكيميائي!!
ففي هذا الجانب تحديداً، لا يختلف أوباما عن غيره من الرؤساء الأميركيين، فهو يولي لغة الصورة أهمية خاصة، وفي هذا الإطار ربما مازال حاضراً في الأذهان كيف امتنع الشيخ حسن روحاني عن تلبية طلبه بخصوص التقاط «صورة تذكارية مشتركة» قبيل صعوده إلى الطائرة العائدة إلى بلاده حين شارك بأحد اجتماعات نيويورك في بداية عهده، فالعقل الإيراني يجيد قراءة منطق المصالح الأميركية ولا يعطي شيئاً مجانياً، وبناء عليه كان الرد حاضراً: «اللقاء ليس مدرجاً على جدول أعمال الرئيس الإيراني»!!
وعلى كل حال، إن حالة الإصرار الأميركي- رغم العراقيل والمماطلة والعقبات ومحاولات لتعطيل عملية جنيف ونسفها من أساسها- باتت ملحوظة على قاعدة: «عملية السلام في سورية شاقة وطويلة وصعبة»، فالعبث السعودي التركي القطري والتجاذب الإقليمي الحاد يحصل بالوقت الضائع، وانتقادات ديمستورا لموقف السعوديين وتعاطف أعضاء مجلس الأمن معه بسبب تعقيدات الـسعود للاجتماع ومحاولتهم خطف الدور المنوط بالأمم المتحدة عبر التفرد بتمثيل «المعارضة».. تعكس حقيقة حشر هذا النظام في الزاوية والاتجاه نحو دعم وساطة الموفد الدولي.
بالمقابل، فإن «النظام السوري» المسنود بقوة من حلفائه لن يكون مضطراً لتقديم أي تنازلات، فموازين القوى أصبحت ترجح لمصلحته بوضوح في ضوء المعطيات الراهنة:
1- التقدم الميداني والسياسي لمحور (موسكو طهران دمشق) مقابل تراجع وارتباك لمحور (واشنطن أنقرة الرياض الدوحة)، وتقهقر التنظيمات الإرهابية على الأرض وتشرذمها وخلافاتها على النفوذ والسلطة لتعدد أهدافها، ونجاح الدولة السورية في إعادة الأمن والاستقرار إلى مناطق عدة كانت تحت سيطرة المسلحين.
2- الابتزاز التركي لأوروبا في أزمة اللاجئين وطلب الأتراك للمزيد من الأموال (رئيس الوزراء التركي ألمح مؤخراً إلى أن «ثلاثة مليارات يورو» لا تكفي للحد من تدفق المهاجرين).
3- الهلع الغربي من انتقال مشروع «داعش» إلى ساحات أخرى مع هزائمه المتتالية في سورية والعراق، فالورم انتشر في ليبيا، والتنظيم –تؤكد صحيفة الديلي تلغراف البريطانية- يسعى لتحويل مقره الرئيسي إلى مدينة سرت الليبية بدلاً من الرقة والموصل.. وليس من المستبعد أن تتحول السعودية (حاضنة الفكر التكفيري) إلى مكان «تجمع محتمل للأجيال المقبلة منه» نظراً للتحديات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المملكة وفق صحيفة «ناتشونال انترست» الأميركية.
وبالمحصلة، إن المشهد السوريالي العصي على الفهم لكون الحكومة السورية ستتفاوض يومي 27 و28 من الشهر الجاري (وبشكل غير مباشر) مع عدة وفود محسوبة بمعظمها على جهات خارجية داعمة للإرهاب والتطرف، ولائحة طويلة تضم أشخاصاً غير مؤمنين بالحل السياسي من إرهابيين وقتلة وأصدقاء «لإسرائيل» ومنشقين يُنظر لهم بالداخل (كعملاء وخونة) وجماعات أخرى يرفضها الروس والإيرانيون.. لن يجعل من جنيف إلا مجرد صورة فقط لحفلة سياسية كبرى يريد «مجتمع أميركا الدولي» من خلالها الظهور بمظهر صانع السلام المتحضر والإنساني والجميل.. لا مشعل الحرائق الخبيث الذي يتدخّل باللحظة المناسبة كي لا تصل النيران إليه!!