قضايا وآراء

جنيف3… لحل سوري… أم جسر لمصالح إسرائيلية..!؟

| عبد السلام حجاب

بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم. ولكل مؤشراته الواقعية، بشأن مواعيد عقد جنيف3 المعلقة بجهود المبعوث الدولي دي ميستورا، يبقى الخلاف السياسي قائماً على نار دبلوماسية هادئة بين توجهين رئيسيين روسي وأميركي… ولتبقى عملية شد الحبال التي تمارسها واشنطن قائمة، سعياً وراء تعطيل أو تفخيخ جنيف3 المفترض لتلبية حاجة الأدوار الوظيفية لرؤوس مثلث الإرهاب السعودي والتركي والقطري ضد سورية والمنطقة بقيادة واشنطن وعلى قاعدة المصالح الإسرائيلية التي ترتسم في ضوء تحركها الدامي ملامح المشهد اللاحق.
لقد أعلن الكرملين عن وجود خلافات كبيرة بين موسكو وواشنطن حول تشكيل وفد المعارضة السورية إلى جنيف المفترض والقائمة الموحدة للتنظيمات الإرهابية، فقد أكد الوزير لافروف عدم التخلي عن اعتبار تنظيمي «جيش الإسلام وحركة أحرار الشام» تنظيمين إرهابيين.
كما أكدت سورية موقفها الواضح إزاء هاتين المسألتين. فهي لن تذهب إلى جنيف3 للتحاور مع أشباح. كما لن تقبل بوجود إرهابيين على طاولة الحوار بين السوريين وذلك انطلاقاً من المبادئ التي أقرتها اجتماعات فيينا الأول والثاني وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تم إقراره بإجماع دول مجلس الأمن الدولي الذي ترأست أميركا دورة انعقاده، كقاعدة أساس للانطلاق في جنيف3 لحوار بين السوريين لتقرير مستقبل سورية بعيداً عن ازدواجية المعايير وأجندات إرهابية تفرض من الخارج.
ليكون السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً: هل المطلوب فعلاً أن يكون جنيف3 المفترض طاولة حوار بين السوريين للتوصل إلى حل يقررونه بأنفسهم، أو يراد له أن يكون جسر عبور لأجندات تشتمل أساساً على مصالح إسرائيل في سورية والمنطقة عموماً؟ وهو ما يظهر جلياً بالدروس التعليمية والمحاضرات التوجيهية التي يحقن فيها مختصون من أجهزة استخبارية أميركية وصهيونية أزلام السعودية وتركيا وقطر لما يسمى وفد المعارضة السورية في الرياض!؟
ولعل نظرة واقعية لما يجري بشأن عقد جنيف3 وما يدور حوله من شد حبال سياسية، فإن واشنطن جاهدة لإحالته إلى منصة للمناورة والتضليل الدعائي خلال فترة البازار السياسي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتحقيق أغراض سياسية إستراتيجية لا توفرها قواعد الاشتباك الحالية حول جنيف، وتمثل الشغل السياسي الشاغل لها قبل أي شيء آخر ومن بينها:
1- عمل متعدد الاتجاهات للذهاب سياسياً إلى أبعد من تعطيل جنيف3 باتجاه محاصرته وتفخيخه بألغام المصالح الإسرائيلية التي يحملها على عاتق مسؤولياتها الوظيفية العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر. وربما تبدو واضحة بمقاصد ما أعرب عنه المبعوث الدولي دي ميستورا من انتقادات للسعودية تتعلق بتعطيلها لمؤتمر جنيف3.
2- تأكيد الحرص على عدم الخروج من الحرب التي قادتها ضد سورية وركبت مفرداتها الدولية والإرهابية، خاوية الوفاض، ودون تحقيق المكاسب الجيوسياسية التي خططت لها وسعت إلى تنفيذها على أساس «مشروع الشرق الأوسط الجديد» ولعله ليس من فراغ أن يطلق الوزير كيري موقفاً من الرياض بأنه ليس هناك موعد معلن لعقد المحادثات السورية- السورية في جنيف رغم مواعيد دي ميستورا المعلنة. ورغم محاولات الدبلوماسية الروسية ردم هوة الخلافات الناشبة إذ أعلن الوزير لافروف أنه بحث هاتفياً مع الوزير كيري تشكيل وفد واسع التمثيل للمعارضة السورية في محادثات جنيف. ثم لعله ليس تحركاً عسكرياً من دون معنى أن يعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن إرسال جنود بذريعة محاربة «داعش» في العراق وسورية بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً على الفشل الجوي الموصوف، الذي تكشفت أهدافه ونياته المبطنة السوداء.
3- الحد من مفاعيل الانتصارات الميدانية وانعكاساتها السياسية التي يحققها الجيش العربي السوري بتعاون روسي شرعي وذلك بإدخال العامل الإسرائيلي محمولاً على شروط مثلث حلف الإرهاب وأدواته إلى مؤتمر جنيف3 المفترض. في محاولة يائسة لأن تحقق بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه بالحرب بوساطة الإرهاب، عبر اللعب تمويهاً وتضليلاً بتفاصيل أوراقه على حساب السوريين وقضايا المنطقة وبوصلتها قضية فلسطين. ولعل ما تكشف عنه تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين والإجراءات التي يتم التنسيق بشأنها مع الإرهابيين ومع النظام الأردني في جنوب سورية، إنما تؤكد ترابط المصالح العدوانية فوق جثة جنيف المفترض، ولقد نضحت وزارة العدل الصهيونية من مخزونها العنصري فيضاً من سموم إيديولوجية فاشية لبذر الأحقاد وإنعاش نزعات التقسيم بقصد تغذية انتهازية الانتهازيين وأحلام المراهنين وتكون عنواناً في أجنداتهم السوداء إلى جنيف3.
وبعيداً عما يمكن أن تسفر عنه محادثات دي ميستورا في الرياض من نتائج بعد محادثات الوزير كيري هناك والأجواء المشحونة بين الأطراف الداعمة للإرهاب وأجنداتها وتراوح بين خلافات مستترة ومزايدات علنية، وما يشاع عن ضغوط أميركية للانصياع إزاء جنيف 3 المفترض، فإن المكتوب يقرأ من عناوينه المتخبطة، لكن مؤشرها الوحيد أن السياسة الأميركية الفاشية لا تعلن الهزيمة لمشاريعها وعلى الآخرين تحمل تبعات الخسائر!
في ضوء ذلك لا ينفك بعض المراهنين يتساءل، لغباء سياسي أو تجاهل مضلل للوقائع عن أسباب إدخال واشنطن للعامل الإسرائيلي، رغم أنه لم يكن غائباً عن المصالح الاستراتيجية الأميركية إن لم يكن حاملها الموضوعي في المنطقة متجاهلاً عن قصد التطابق بالمواقف بين الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي، في مواجهة الاتفاق النووي مع إيران ودخوله حيز التنفيذ العملي، ومتجاهلاً محاولات بني سعود لتحويل جبهة الصراع من الكيان الإسرائيلي إلى إيران، ومستويات التنسيق بالمواقف والأهداف في دعم واحتضان التنظيمات الإرهابية ضد سورية فضلاً عن شيطنة حلفائها، موسكو وطهران، وليس أخيراً إخراج التنسيق والتعاون التركي الإسرائيلي وأجنداتهما من السرية إلى العلنية دون إدراك أن التحولات السياسية والعسكرية التي يعيش على إيقاعها العالم بمن فيه أميركا والغرب الاستعماري وأطراف حلفها الإرهابي، أصبحت أمام واقع متغير جديد لا يمكن أن تعود عقارب ساعته إلى الوراء، حتى بالعامل الإسرائيلي المأزوم ومشاركة إرهابيين ممن يسمون بالجيش الحر.. بصفة معارضة سورية في مؤتمر بتل أبيب.
من دون شك، فإنه لم يعد بمقدور أحد القفز فوق حقائق ووقائع المشهد السوري المتحرك نحو الانتصار السياسي والميداني.
والمراقب للنجاحات التي تحققها سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد سواء على صعيد اتساع رقعة المصالحات الوطنية أو انتصارات الجيش العربي السوري بدعم وتعاون الحلفاء والأصدقاء، بات يدرك أن محاولات تفخيخ جنيف أو حرفه عن مساره الذي يريده السوريون ستبوء بالفشل ولن تحمل لأصحابها غير الهزيمة والخزلان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن