اقتصاد

دروس مؤسساتية من حقل البستنة!

| د. سعـد بساطـة

هنالك مثل ألماني يقول: «الأعشاب الضارة لا تتلاشى»، التي تعبر عن حال كل الحقول في العصر الحالي أو العـصور الغـابرة حين كانت الأعشاب الضارة تنمو في كل مكان وتُفسد منظر البيوت وحقول الورود وغيرها، ومع ذلك يتم استغلالها والاستفادة منها بشكل أو آخر. هذا المثل عن الأعشاب الضارة يؤكد على أهمية أن يظل الإنسان صابراً ومثابراً رغم كل العقبات والانتكاسات التي تواجهه وأهمية قوة العزيمة والإصرار على تحقيق الهدف رغم المصاعـب.

في كثير من الحالات قد يكون تهديد الحقل داخلياً –نبتة غـريبة من تشريعـات أو ممارسات- (كما حصل مؤخراً نتاج تشريعـات من الدولة نفسها)، حيث في الأسابيع القليلة الماضية خرج المزارعون الأوروبيون إلى الشوارع في عواصمهم للإعلان عن موقف تمردي لم يتوقعه أحد. فبعد أن تمتعوا بحياة مريحة على مدى عقود، بفضل الإعانات التي تقدمها حكوماتهم والسياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، لم يكن من المتوقع أن يغزوا العواصم الكبرى برفقة أغنامهم وأبقارهم وجراراتهم الزراعية بسلسلة من الويلات، حيث مسألة الأمن الغذائي للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كأولوية قصوى لدول أوروبا الغربية التي تحاول إعادة بناء اقتصاداتها الممزقة. في ذلك الوقت، كان النقص العالمي بالغذاء يعتبر تهديداً يلوح في الأفق، في حين أن المجاعات الواسعة النطاق أودت بحياة الملايين من الضحايا في العديد من مناطق العـالم، وأصبح خفض تكلفة الغذاء أمراً حتمياً مع بحث الصناعات المعاد بناؤها عن أسواق متنامية.

يروي المهندس عـصام –الذي طالما استشهدت بأمثلته – حكاية مؤسسة إنتاجية معـروفة -أتحفظ عـلى ذكر اسمها- فقبل سنوات كان عـلى رأسها مدير ناجح وقوي ويقود عملية تطوير كبيرة للنهوض بذلك الصرح الإنتاجي ولكنه واجه الكثير من التحديات والمعارضة للتغيير، وكان لديه نائب متمكن وله شعبيته وقبوله بين الكوادر لمواقفه الإيجابية إضافة إلى نزاهته وقوته في الأبحاث والتطوير، وسرعـان ما بدأت مشاعـر الغيرة والخوف تنتاب المدير من نائبه خشية على منصبه، فراح يحاول تحجيم صلاحياته وإيقاف وتخريب مشروعاته مرة عبر إيقاف ميزانياتها ومرة عبر إدخالها في دهاليز اللجان والنقاشات والإجراءات البيروقراطية التي لا تنتهي، ووصل الأمر إلى محاولة تأليب موظفيه عليه ومحاولة عزله وإعفائه باختلاق مشكلات وهمية وبناء على شكاوى كيدية، وكان الوضع صعباً جداً على صاحبنا، فقد حافظ على هدوئه ورباطة جأشه وركز على إنجاز مهامه ومشروعاته من دون الانزلاق لتلك المكايد، وما هي إلا فترة بسيطة وتصدر قرارات بإعفاء ذلك المدير من منصبه وتعيين نائبه ليصبح هو المدير الجديد لتلك المؤسسة المهمـة.

حتماً ليست جميع ممارسات التضييق والحروب على الكفاءات تنتهي بنهايات سعـيدة كهذه –كما في الأفلام الهندية- لكن ومن دون أي شك فهنالك نهايات إيجابية لقصص كهذه.

باختصار، الكلاب تنبح والأعشاب الضارة لا تتلاشى، ولكن القافلة تسير ولا تبالي وتأكل تلك الأعشاب أو تدوس عليها في طريقها لتصل إلى الهدف وتحقق الحلم وتصنع الأثر الإيجابي والإلهام الذي يبقى ولا يتلاشى.

اسمحوا لي في هذا السياق بأن أعـبـّر عـن شعـوري الشخصي، فأنا أشعر بتعاطف كبير لرؤية موظف طموح تتم محاربته والتضييق عليه، واعتبر ما يحصل اختباراً لصبره وجلده وجزءاً مهماً من قدراته مع تأهيله ليترقى إلى موقع قيادي أقوى لاحقاً.

لأنه وفي الغالب كلما تألم وعانى أكثر وصبر فسيكون أكثر حرصاً على ألا يظلم غيره ويجنبهم التجارب المريرة التي مر بها. وفي الوقت نفسه، فالمدير الذي يحارب الكفاءات ويضيق عليها من دون مبرر يجب ألا يعمر كثيراً فإما أن يعالج سلوكياته أو أن يرحل أو يتم نقله.

بالختام الإنسان الناجح والطموح قدره أن يواجه العراقيل والمؤامرات والصعوبات، وبدل اليأس أمام الضغوط فإن عليه أن ينظر لتلك التحديات بشكل إيجابي على أنها دروس وتجارب تصقل المهارات والخبرات وتجهزه لمهام مستقبلية عظيمة، فالأمر شبيه بمـن يتناول جرعات قليلة من السم على فترات لتكون لديه مناعة قوية ضد السموم القاتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن