لعلَّ من أجملِ ما قيلَ في صوتِ فيروز بأنه أشبهَ بالنسيج القادر على توحيدِ الشرق والغرب، لكن وياللأسف ومع الانفلات الثقافي الذي باتت واجهته مواقع التواصل الاجتماعي، فإن هذا الصوت فيما يبدو لم يعد قادراً حتى على توحيدِ رأيين!
حالة من اليأس والإحباط بإمكانيةِ تغيير ما في هذا الانفلات الفكري أصابتني خلال الأيام الماضية وأنا أتابع ما يتم تداوله من إشاعات عن قيام المملكة العربية السعودية بدعوة فيروز للمشاركة في مهرجانات الرياض وردات الفعل عليها، وكما جرت العادة على مواقع التواصل الاجتماعي فإن كل شائعة أو حدث يصبح لها أقدام ويدان، هذا يحمل سيفه الدينكوشوتي ليقارع الوهم بإثبات رأيه، وذاك من أصحاب الرؤوس الحامية يحمل سيف التخوين ليسقطه على الحدث، لكن مهلاً.. هذه فيروز!
اللافت بهذه القصة بأن أحداً لا يستطيع تأكيد الدعوة من عدمها، بمعنى آخر لا يمكن البناء على وهم ما دام لم يخرج بيان رسمي من المكتب الإعلامي لرفيقة صباحاتنا يؤكد أو ينفي حدوث هذه الدعوة من عدمها، لكن كل هذا لا يعنيني ما يعنيني هو.. فيروز! بمعنى آخر:
قد تكون فيروز رفضت الدعوة فعلياً كما يدَّعي البعض مع كل ما يحمله مصطلح «رفض الدعوة» من أبعاد سياسية وثقافية، وقد تكون اعتذرت وهذا هو المرجح إن حدثت الدعوة نظراً لابتعادها منذ زمنٍ طويل عن الأضواء وعلاقة وضعها الصحي بتبعات السفر الطويل، لكن مصطلحاً كهذا لا يناسب أصحاب الرؤوس الحامية لأنه لا يحمل أبعاداً سياسية أو ثقافية، بين مصطلح الاعتذار والرفض مساحة شاسعة تلهى بها بعض المراهقين ليصبوا جام غضبهم على كل ما لهُ علاقة بالمملكة العربية السعودية عبر فيروز.. فهل يستحق الأمر كل هذا؟
تستطيع كمواطن عربي أن تتفق أو تختلف مع التوجهات الجديدة للمملكة العربية السعودية، بما فيها مهرجانات الرياض، بالمناسبة حتى المملكة ذات نفسها باتت تسمح بمساحة اختلاف أكثر بكثير من دول لها عراقة ضاربة في الجذور، قد تختلف مع الإصرار على إقامتها في ظل الحرب هذا من حقي وحقك، قد تختلف على طبيعة الكثير من الذين تم تكريمهم وبعضهم لا يمتلك موهبة ولا إبداع ولا مسيرة أيضاً هذا من حقي وحقك، لكن ما ليس من حقي ولا من حقك هو إقحام فيروز في آرائنا هذه، دعوا جارةَ القمر خارج هذا التلوث الثقافي المبني على عدم تقبل الآخر لأنها ببساطة ليست سلاحاً للتشفي وليست منجنيقاً ترمي عبره ما لا يستهويك، أنا لست هنا للدفاع عن مهرجانات ولا توجهات هذهِ الدولة أو تلك، كل ما أريد قوله خلاصة لهذه الزاوية:
مع «كمشة» ما تبقى لنا من عبق ذكريات الزمن الجميل، يزينها ذاك الصوت الملائكي.. الرجاء دعوا فيروز خارج سجالاتكم.