قضايا وآراء

بين «مطرقة بوتين» و«سندان ترامب».. هل يكون خطاب حالة الاتحاد الأخير لجو بايدن؟

| فراس عزيز ديب

إذا كان خطاب حالة الاتحاد في الولايات المتحدة الأميركية يشكل تقليداً سنوياً يستعرض فيهِ الرئيس الأميركي إنجازاتهِ خلال العام المنصرم على كل الصعد الداخلية والخارجية، فإن خطاب حالة الاتحاد خلال السنة الانتخابية غالباً ما يكون فرصة للرئيس لتحقيقِ نقاطٍ إضافية على خصومهِ المباشرين، أو تحقيق نقاط إضافية لمصلحة حزبهِ ومرشحهم في حال كان الرئيس قد أنهى ولايتين دستوريتين ولم يعد بإمكانهِ الترشح.

على هذهِ القاعدة جاء خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية الأسبوع وقبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية القادمة ليشكَّلَ فرصةً كبيرة للرئيس للخروج من حالةٍ الظهور التقليدي التي يبدو فيها وكأنه مصاب بالخرف إن كان نتيجة لبعض تصريحاته المتناقضة أو حركاته الغريبة التي لقطتها الكاميرات، إلى مظهر المرشح القادم بقوة ليستعيد ما خسره من نقاط نتيجة لعامل السن أو المرض أمام خصمٍ منتظر هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يتمتع بالكاريزما والوضوح والشعبية الكبيرة، عامل السن والوهن هذا حاول بايدن فعلياً استثماره كنقاطٍ مضاعفة في مصلحته بنهاية الخطاب عندما ردَّ على منتقدي ترشحه بهذا العمر المتقدم بالقول: «إن سنواتي الطويلة هذه أكسبتني الكثير من الخبرة وجعلتني أرى الأمور بشكلٍ مختلف».

لا نعرف حقاً ما الاختلاف الذي يعيشه بايدن وهو يرى مثلاً المجازر المتنقلة في فلسطين المحتلة، فيخصص جزءاً من خطابهِ للدفاع عن المجرم والهجوم على الضحية، لكن هذه الرومانسية من الرئيس الأميركي لم تمر مرورَ الكرام تحديداً من الخصم المباشر دونالد ترامب الذي انهال عليه بالسخرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبرَ فلاتر التطبيقات، بما فيها زلة اللسان التي اعتبرَ من خلالها أن أسعار الدواء في روسيا أفضل من مثيلتها في الولايات المتحدة الأميركية! هذه السخرية والسخرية المضادة دفعت الكثير من الأميركيين للقول: من يقول لهذين الكهلين: كفى؟

لا نعرف حقيقةً من سيقول لهما كفى، لكن من الواضح من خلال خطاب الرئيس بايدن أن المعركة الانتخابية بدأت مبكرة جداً حددها الرئيس بايدن باتجاهين أساسيين:

أولاً: ترامب.. والديمقراطية الأميركية، ولكي نعالج هذا الاتجاه بطريقة واقعية دعونا نتذكر أن هذا الاتجاه يفترض سؤالاً جوهرياً: من الواضح بأن الإدارة الحالية لم تكن تفضل وجود دونالد ترامب كمنافس للرئيس بايدن، هم حاولوا بكل الوسائل إعاقةَ هذا الترشح لكنه بات أمراً واقعاً، وهو ما جعلَ بايدن يتعاطى مع هذا الخطاب كرصاصة سياسية يطلقها على خصمهِ لأن نتائج المناظرات السياسية القادمة المباشرة لا يبدو أنها ستكون في مصلحة بايدن، القضية هنا ليسَت مرتبطة فقط بسني الرجل أو وضعه الصحي ولا بقدرته بعدَ أشهر على البقاء واقفاً حتى انتهاء المناظرة، القضية الأهم بقدرته وفقَ هذه الظروف على الصمود في وجه كاريزما ترامب وحججه، فمن السهل عليك أن تكيل الاتهامات في خطابٍ عام لكن سيكون من الصعب ذلك عندما يكون هناك من يدحض بشكل فوري تلكَ الاتهامات، بايدن مثلاً تحدث عن إنجازاتهِ الاقتصادية بل تحدث بالحرف عن «الحسد» الذي يعاني منه هذا الاقتصاد في عهد إدارته بعدَ أن كان قد ورثَ عن الإدارة السابقة اقتصاداً متهالكاً على حد زعمه، كلام بايدن هذا تكذبه الأرقام، إذ إن «صحيفة الواشنطن بوست» نبهت قبلَ نهاية العام الماضي بأيام خلال تقريرها السنوي إلى درجة الخطورة التي وصل إليها الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة خلالَ ثلاث سنوات من عهد الإدارة الحالية التي خلفت عجزاً قدرته الصحيفة بتريليون وسبعمئة مليار دولار بالإضافة لمعدلات التضخم غير المسبوقة التي دفعت بوكالات التصنيف الائتماني لتخفيض مستوى الولايات المتحدة من التصنيف الأعلى الذي كانت قد حصلت عليه نتيجة لإنجازات إدارة ترامب، وهو ما لم تحافظ عليه الإدارة الحالية.

أما السلاح الثاني الذي حاول من خلاله بايدن تسجيل نقاطٍ على ترامب في خطابهِ الأخير فكان سلاح الديمقراطية والحريات الشخصية، علماً أن ترامب كرئيس تم انتخابه عبر القانون الانتخابي ذاته الذي جاء ببايدن رئيساً، بايدن حاول إثارة الخوف عند الأميركيين من المرشح المنافس عندما اعتبرَ أن الديمقراطية الأميركية ستكون أمام خطر داخلي يجب الانتباه إليه في إعادة تذكيرٍ بالأحداث الدامية التي شهدتها بعض المدن الأميركية عشية إعلان نتائج الانتخابات الماضية 2020، التي تم اتهام ترامب بدعمها وتغذيتها تمهيداً للانقلاب على الديمقراطية.

إن هذه التهم التي تم تبرئة ترامب منها، اعتدنا سماعها في إطار الحرب الإعلامية في الداخل الأميركي لكنها ليست وحيدة إذ إن هناك تهماً بأبعادٍ خارجية من قبيل «صديق للديكتاتوريات» وهي تهمة جاهزة يلبسها كل سياسي غربي يحاول تقديم وجهة نظر مختلفة حول طبيعة العلاقات مع الخصوم أو المنافسين أو حتى الأعداء! اللافت هنا أن بايدن نفسه الذي يعاير ترامب بمسار علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفها إهانة للعراقة الأميركية حاولَ أن يكون دبلوماسياً في حديثهِ عن العلاقة مع الصين حيث تحدث عن الصين كمنافس لا كخصم، علماً أن ما يطرحه ترامب حول العلاقة مع الروس هو السياق ذاته الذي يطرحه بايدن حول الصين، هذه التناقضات التي ساقها بايدن ستكون أشبه بحبل إعدام سياسي عندما يتقابلان وجهاً لوجه في أي مناظرة قادمة.

ثانياً: بوتين.. صداع النفوذ الأميركي، فلم يكن مفاجئاً بأن تشكل التهديدات الروسية للطموحات الأميركية بما فيها رؤية الرئيس فلاديمير بوتين لخطر السياسة الخارجية الأميركية القائمة على الحروب وإشعال النار في كل مكان، جانباً مهماً من خطاب بايدن، لكن من الواضح أن الخطاب لم يأت بأي جديد في هذا السياق وهذا مفهوم لأن الرواية الرسمية الأميركية لربما استنفدت كل وسائل تطويرها في هذا السياق، فالعجوز الأميركي تحدث عن استمرار المواجهة غير المباشرة في أوكرانيا عبر استمرار الدعم غير المحدود، لكنه على الأقل كان أكثر عقلانية من «المراهق الفرنسي» الذي دعا إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا تبرأ منها حتى أقرب الحلفاء، حتى إعادة تذكير الأوروبيين بطموحات بوتين لتخويفهم ليست بالفكرة الجديدة بل هي في صلب السياسة الأميركية، إن الجديد فقط أن الأوروبيين يقدمون لنا مع كل خطاب اتحاد أميركي إثباتاً بأن التبعية للخطاب الرسمي الأميركي التي يعيشونها حتى درجة العمى السياسي تستحق فعلياً الكثير من التحليل والدراسات لمحاولة فهمها أو على الأقل لمحاولة الكف عن اتهام بعض الدول «الصغيرة» بالتبعية لهذه الدولة أو تلك بينما يقف الاتحاد الأوروبي بكامله عاجزاً عن الإجابة عن سؤالٍ مُلِح: لماذا لا نسأل الرئيس الأميركي عن مصدر معلوماته بأن طموحات بوتين لن تقف عند حدود أوكرانيا؟ لماذا لا يتعلم الأوروبيون من حليفهم الثاني الكيان الصهيوني؟ ألم تستطع دولة الاحتلال فرض آرائها وتجاهل كل التهديدات الأميركية بما يتعلق بالمجزرة المفتوحة في غزة لدرجةٍ أجبرت الأميركي على الاقتناع بفكرة عدم جدوى وقف إطلاق النار قبل حلول شهر رمضان المبارك والاستعاضة عنها ببدعة بناء ميناء متنقل أمام سواحل غزة لضمان وصول المساعدات الذي قد يستغرق شهرين، ماذا ينقص الأوروبيون ليكونوا أكثر حكمة وعقلانية بالتعاطي مع الروس بعيداً عن المصالح الأميركية من بقاء حالة التوتر؟

لا أحد يملك الجواب، وربما هي ليست القضية الأولى الملحة التي لا جواب عنها، لكن ما نملك جوابه فعلياً عنه أن الإدارة الأميركية الحالية لا تبدو مرتاحة لمسار حظوظ التجديد من عدمه، لتبدو فعلياً بين مطرقة بوتين وسندان ترامب.

لا أحد يعرف القدر ماذا يخبئ، لكن كوجهة نظر شخصية فإنه من منظور السياسة أو ما وراء السياسة من الواضح أنه خطاب حالة الاتحاد الأخير للرئيس جو بايدن!

كاتب سوري مقيم في فرنسا

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن