من دفتر الوطن

قضم حقوق الصحفي

| حسن م. يوسف

«الصحافة تعبر دائماً عن حقيقة مجتمعها، حتى عندما تكذب، لأن كذبة الصحافة هي تجل لكذبة أخرى داخل المجتمع»، توصلت لهذا الاستنتاج قبل سنوات عديدة وأشرت إليه مراراً في مقالاتي.

منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي كنت في كل المؤتمرات السنوية والعامة لاتحاد الصحفيين السوريين أطالب برفع المستوى المهني لزملائي الصحفيين، عن طريق ورشات العمل ودورات التأهيل، ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بدأت أركز على ضرورة تدريب الزملاء على الكمبيوتر، وبيعه لهم بالتقسيط، بوصفه أداة متزايدة الأهمية، لا في الصحافة وحدها بل في كل ميادين الحياة على اختلافها واتساعها، وقد دفعني إيماني بجدية وخطورة هذا التحدي لتكرار طرح هذه القضية في كل المؤتمرات السنوية والانتخابية، حتى إن بعض الزملاء المحترمين كانوا يتندرون بهوسي الكومبيوتري، هازئين!

في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، تقدمت باقتراح لمؤتمر اتحاد الصحفيين يقضي بإقامة ورشة عمل على شكل طاولة مستديرة بعنوان: «الصحافة الوطنية وتحديات العصر الرقمي»، وقد كلفني المؤتمر كتابة ورقة العمل التي ستتلى في مستهل الورشة، وعندما جئت إلى نادي الصحفيين صدمت عندما وجدت أن الطاولة المستديرة التي طالبت بها قد مُسخت إلى منبر! ومن يومها قررت أن أكف عن النفخ في هذه القربة المثقوبة، إذ إن العصف الذهني الذي أحلم به لا يمكن ممارسته من فوق المنابر.

أصارحكم بأنني أعتبر نفسي ضيفاً على الصحافة منذ أن أحلت إلى التقاعد، فرغم أنني لا أزال أحتفظ بعضويتي العاملة، كأحد مؤسسي اتحاد الصحفيين، إلا أن اتحادنا يتجاهلني بحيث لا أسمع بانتخاباته إلا بعد صدور نتائجها!

خلال السنوات الطويلة التي أمضيتها عضواً في مجالس الاتحاد ومؤتمراته، تمت صياغة القانون الحالي الذي صدر عام 2011 بعد أخذ ورد مع وزارة الإعلام، والحق أن الوزارة قد مارست ضغطاً كبيراً كي يصدر القانون بصيغته المعمول بها الآن.

لا شك بأن التغيير أمر جيد شريطة أن يكون نحو الأفضل، إلا أن وزارة الإعلام سمحت لنفسها مؤخراً بالتعاون مع عدد محدود من الصحفيين والإداريين بصياغة قانون جديد للإعلام، أستطيع وصفه من خلال ما سرب من مواده بأنه تضييق على العاملين في الصحافة، لكونه يقضم عدداً من حقوق الصحفي التي ينص عليها القانون الحالي، كما لو أن هناك من يود معاقبة الصحفيين الذين لم يهاجروا! وقد أحيل مشروع القانون إلى اللجنة المختصة في مجلس الشعب لمناقشته تمهيداً لإصداره، قبل أن يسمع به أحد من الصحفيين سوى أعضاء لجنة صياغته! والطريف في الأمر هو أن تلك الجهة المعنية لم تحترم حتى إرادة أعضاء اللجنة التي شكلتها، ما جعل رئيس تحرير «الوطن» الأستاذ وضاح عبد ربه يرفع صوته قائلاً: «أعلن براءتي الكاملة من هذا القانون… »

صحيح أن مشروع القانون قد سحب مؤخراً من المجلس وقد أفاد أحد المسؤولين بأنه اتفق مع رئيس اتحاد الصحفيين على تشكيل «مجموعة من العارفين» لمناقشة مشروع القانون، لكن هذا مع احترامي للجميع لا يكفي، ويجب نشر مشروع القانون على الإنترنت وفتح النقاش حوله لمدة شهر، تقوم خلاله لجنة (من العارفين) بغربلة وتنسيق الأفكار بغية التوصل إلى صيغة تخدم الخير العام تُنَاقَش وتُقَرّ في ورشة عمل تبث على الهواء، حيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن