شؤون محلية

ضحايا الملح المغشوش

| ميشيل خياط

بعد مضي ثلاث سنوات على الكشف عن موضوع خطير هو غش الملح، وبيعه في الأسواق بصفته ميودنا وهو عملياً خال من اليود، تم الإعلان مؤخراً، في فندق الشام بدمشق، عن نتائج المسح التغذوي الأسري الوطني الذي جرى بالتعاون ما بين وزارة الصحة واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، وورد فيه استناداً إلى ما نشر في عدة وسائل إعلامية سورية، أن نسبة التقزم (قصر القامة)، ازدادت من 13.6 عام 2019 إلى 16.9 بالمئة في العام الماضي مابين الأطفال السوريين.

لم يطرح في اجتماع العام الحالي موضوع اليود، علماً أنه وثيق الصلة بالتقزم، وكثير من الأمراض الأخرى، وكنت قد حضرت في العام 2019 اللقاء الذي دعا إليه مدير الرعاية الأولية السابق في وزارة الصحة الدكتور فادي قسيس بالتعاون مع مكتب منظمة الصحة العالمية في سورية، وتحدث فيه عن الملح المغشوش الذي يباع في الأسواق بصفته ميودنا، وكيف أن وزارة الصحة- آنذاك- قد أغلقت 70 بالمئة من الورش المخالفة، بعد أن تبين لها أن 62.3 بالمئة من الملح في الأسواق غير ميودن!

تؤكد الأرقام الجديدة وجود عوز في اليود، لأن هذا العنصر «اليود» هو نادر في قشرة الكرة الأرضية وتجرفه الأمطار من التربة وبالتالي فإنه قليل الوجود في الخضار والفواكه، ويتوفر في الأسماك البحرية لكن استهلاك السوريين من الأسماك ضئيل جداً (100غرام في السنة للفرد الواحد)، وما من شك أن الغلاء قد لعب دوراً كبيراً في تناقص استهلاك السوريين من مواد غذائية غنية نسبياً باليود مثل: اللحوم الحمراء والبيض والأجبان والألبان والحليب، علماً أن الإنسان يحتاج إلى 170 ميكروغرام من اليود في اليوم أي محتوى كوبين من الحليب.

إنه لأمر مؤسف ألا يعود من ينظمون مثل هذه الفعاليات الرفيعة المستوى إلى الأرشيف أو إلى التاريخ، ليعرفوا ماذا جرى وماذا أنجز…!! للأسف افتقر هذا اللقاء الجديد الذي شهد إطلاق أرقام المسح التغذوي الأسري الوطني (سمارت 23) إلى يد ترتفع وتسأل: ماذا فعلتم بشأن الملح الميودن …؟ إن ازدياد نسب التقزم دليل واضح على عوز اليود لدى السوريين ولاسيما أطفالهم.

إن عوز اليود يؤدي إلى أمراض كثيرة أخرى مثل إعاقة النمو البدني والعقلي وتضخم الغدة الدرقية وتراجع القدرات الذهنية، وأشار المسح الجديد إلى ارتفاع نسب نقص الوزن لدى الأطفال وسوء التغذية بين النساء في سن الإنجاب.

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان الدكتور سمير عويس اختصاصي الغدد، أول من اكتشف انتشار عوز اليود لدى السوريين بإنجازه دراسة وطنية، عندما كان مسؤولاً في وزارة الصحة، وهو من أسس لمشروع، إضافة اليود للملح على أساس أن الملح في سورية رخيص وفي متناول أفقر الشرائح الشعبية، ومن خلاله يمكن توفير احتياجات السوريين من اليود.

كما أنه حفز على إنجاز مشروع إنتاج أسماك بحرية عبر تربية الأسماك البحرية في أحواض قريبة من الشاطئ، انطلاقاً من أن بحرنا فقير بالثروة السمكية بسبب الصيد الجائر ولاسيما بالديناميت، وعدم امتلاكنا لأسطول صيد يقوى على العمل في أعالي البحار.

إن جذر المشكلة مثلما أوضح مدير الرعاية الصحية الأولية الأسبق يكمن في الحصار المتفاقم على سورية ومنع وصول مادة اليود إليها، وتوفر المنظمات الدولية الإنسانية أقل من نصف الكمية التي تحتاجها سورية من اليود وهذا ما يغري باعة الملح بالغش والادعاء أن ملحهم ميودن وهو عملياً بلا يود.

إن كميات اليود ليست كافية لاستهلاكنا من الملح وباقي الاستخدامات الطبية.

كانت فرصة ثمينة أن نستفيد من ذاك اللقاء الدولي في دمشق لرفع الصوت في مواجهة من يفرضون الحصار الجائر على سورية(أميركا وأتباعها)، وأن نسأل بالصوت العالي ذاته عن سبب تأخر مشروع إنتاج أسماك بحرية عن طريق التربية في أحواض والوصول إلى إنتاج كميات كبيرة بأسعار مقبولة، وأن يتم فضح «ماركات الملح المغشوش»، وبيع الملح الميودن في أكياس كتيمة غامقة، ودمغها بخاتم وزارة الصحة بصفتها مراقبة وسليمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن