قضايا وآراء

مفاوضات القاهرة.. تعثُّر من دون إعلان فشل

| عبد المنعم علي عيسى

انتهت يوم الخميس الماضي جولة جديدة من جولات التفاوض، التي تجري ما بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبين حكومة الاحتلال، من دون التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف العدوان الذي دخل شهره السادس بضراوة ملحوظة على وقع الفشل الذي منيت به الأهداف الإسرائيلية المعلنة في غزة، والتي لم يتحقق منها شيئاً حتى الآن، إلا إذا كان تعميم الخراب والقتل والدمار هو الهدف الأهم الذي لم يجر الإعلان عنه، مع عدم استبعاد فرضية كهذه لأنها تأتي في صلب السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تشتيت النسيج المجتمعي الفلسطيني الذي أيقنت أن قضيته لن تزول طالما بقي ذلك النسيج حياً.

في التقارير الصادرة عن غرف التفاوض، هناك إشارات إلى أن جولة التفاوض الأخيرة كانت قد شهدت افتراقاً في المواقف ما بين حكومة الحرب التي أرادت حصر أي اتفاق مفترض يمكن الوصول إليه بموضوع تبادل الأسرى بين الطرفين، في حين أصرت حركة حماس على العودة لـ«ورقة باريس»، التي خرجت للعلن نهاية شهر كانون ثاني الماضي، بتوافق رباعي أميركي- مصري- قطري- إسرائيلي، ونصت على مراحل ثلاث، أولها أن تقوم معادلة تبادل الأسرى بواقع 100 فلسطيني مقابل كل أسير إسرائيلي يجري الإفراج عنه، مع احتمال أن يرتفع الحد الأول إلى 250 مع ثبات الحد الثاني، وثانيها هدنة مؤقتة تستمر لمدة لا تقل عن ستة أسابيع بدءاً من اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، أما الثالث فيقول بإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة على أن تشمل تلك العملية انسحاب هذا الأخير من المناطق التي تحوي تجمعات لمدنيين بما لا يعوق تواصل مدن الشمال الغزي مع جنوبه، وما تسرب أيضاً، من تلك الغرف، يشير إلى أن جولة المفاوضات كانت قد انفضت للتشاور على أن يعاود المتفاوضون حضورهم للقاهرة يوم السبت، أي بعد مضي 48 ساعة على إعلان انتهاء الجولة، وذاك مؤشر يؤكد أن ثمة عوامل حاكمة تمنع الأطراف من إعلان الفشل النهائي الأمر الذي قد يحصل فقط إذا ما حل شهر رمضان الذي بات على الأبواب قبيل أن يخرج المتفاوضون باتفاق أيا تكن سقوفه، إذ لطالما كانت الحسابات الإسرائيلية تأخذ بعين الاعتبار الحالة التي تفرضها طقوس الشهر، وما يمكن أن تؤدي إليه في ظل استمرار شلال الدم مفتوحاً على مصراعيه أمام عالم لا تزال حكوماته ترى أن حجم الإسالة لم يصل للدرجة الكافية للتحرك جدياً لوقف ذلك الشلال، وأمام غرب سقطت آخر أوراق التوت عن «عورته» الأخلاقية التي صدع بها رؤوس العالم «غير المتحضر» ممن نندرج نحن في تصنيفاته.

ما تشير إليه المعطيات السابقة هو أن الضغط الأميركي على حكومة الحرب الإسرائيلية ليس جدياً، أو أنه لم يصل بعد للحدود الموجعة على أفضل تقدير، فالقيام بإسقاط «المساعدات الإنسانية» من الجو بدلاً عن إدخالها براً، هو فعل يشير إلى العجز السياسي الذي تظهره العملية بشكل صارخ، ناهيك عن أنه مؤشر على نزعة لا تريد أن تضع «الحالة الإنسانية» في الوضع الذي يجب أن تكون عليه، ثم إن إعلان الرئيس الأميركي، وقد قال ذلك علانية في خطاب «حال الاتحاد» الذي ألقاه يوم الخميس الماضي، عن نيته إنشاء ميناء بحري في غزة لإيصال المساعدات عبر ممر بحري من قبرص، فعل، على الرغم من أنه لا يزال قيد التفكير، لا يتعدى كونه محاولة للموازنة بين معادلة طرفها الأول إتاحة الفرصة لحكومة الحرب الإسرائيلية لعلها تحقق ما تعذر تحقيقه على مدى الأشهر الأربعة السابقة، والثاني هو الإبقاء على «ورقة التوت» التي إن سقطت تماماً باتت «القيم» الأميركية عارية من أي ستر، ولربما كانت الموافقة الإسرائيلية السريعة على الفكرة كافية لإثارة الريبة بهذه الأخيرة، بل وترجح لأن يكون لها وجهان، الأول الظاهر يقوم على المساعدة والثاني الباطن يقوم على تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين نحو أوروبا، بل إن التسريبات التي نقلتها الـ«واشنطن بوست» وجاء فيها أن الرئيس بايدن يدرس مع مستشاريه سبلاً لمنع إسرائيل من استخدام أسلحة أميركية في حال قررت هذه الأخيرة مهاجمة رفح، هذه التسريبات لا تخرج بالتأكيد عن حدود هذه المعادلة سابقة الذكر، هذا إذا كان بمقدوره أن يفعل أمراً من هذا النوع، ولربما لم يسمع قول بنيامين نتنياهو في سياق رده على الضغوط التي قال نتنياهو إن حكومته تتعرض لها، وقال: إن من «يأمرنا بألا نتحرك في رفح هو كمن يأمرنا بأن نخسر الحرب، وذلك لن يحدث».

استعصاء المفاوضات يأتي كنتيجة طبيعية لاستعصاء الميدان، فحركة حماس تتمسك، وفي الأمر ما يدعو إليه، بمطالبها في وقف العدوان نهائياً ثم عودة النازحين إلى ديارهم على أن يكون هذان الأمران سبيلاً، أو دافعاً، للتوصل إلى صفقة تضمن تبادلاً تدريجياً للأسرى، وفي ذلك سيناريوهات عدة مطروحة للتداول، وفيما عدا ذلك فإن الحركة ترى أن تقديم أي تنازلات تحت سقوف تلك المطالب من شأنه أن يكون بعثرة لكل تضحيات الشهداء ومعها أيضاً استهتاراً بكل الآلام التي عاشها فلسطينيو القطاع على مدى ما يزيد على خمسة أشهر، أما «كابينيت الحرب» فلا يزال يرى وجوب التركيز على الفعل العسكري سبيلاً لتحقيق الأهداف، لأن فعلاً نقيضاً لن يعرض وحدة «الائتلاف» الحاكم للاهتزاز فحسب، بل إن وحدة النسيج الإسرائيلي برمتها ستكون عرضة لذلك الفعل أيضاً.

يبقى «المحك» الآن على ظهور «هلال» شهر رمضان من دون الوصول إلى اتفاق يمكن أن يعطي لطرفي الصراع فرصة لمراجعة الحسابات.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن