المحبّة أولاً..
| د. اسكندر لوقا
في النبأ الذي أشار إلى مشاركة السيدة أسماء الأسد في مناسبة تتويج وتكريم الفائزين في نهائياًت الأولمبياد العلمي السوري في دار الأسد للثقافة والفنون قبل نحو أسبوع، ورد ما استوقفني في العنوان الذي جاء على لسان سيادتها وفيه، تحديدا، دعوتها إلى «رعاية الطلاب واستثمار طاقاتهم لبناء سورية بمحبة وعلم وقوة».
في سياق هذه الإشارة إلى دور المؤسسات التي ترعى المتفوقين من أبناء الوطن وتتيح لهم الإفادة من التشريعات التي تصدر لجهة رعايتهم، تأتي الأولوية كي تحقق الرعاية أهدافها، تأتي المحبة. فبالمحبة لا بالحب أعني العبارة التقليدية التي كثيراً ما نستخدمها في أدبياتنا نستطيع أن نحتضن ونرعى المواهب التي يتمتع بها شباب الوطن. وثمة فرق شاسع، كما نعلم، بين الحب والمحبة. الحب مؤشر لعلاقة حميمة غالبا بين اثنين، في حين تتخطى المحبة الاثنين إلى ما ليس له حدود أو أبعاد. المحبة هي التعبير الشامل للمشاعر التي تشد الإنسان إلى الإنسان أيا كان وأيا كانت مكانته، ومن هذا المنطلق نقرأ العنوان الذي جاء في صدر النبأ وكان للسيدة أسماء الأسد غرضها من الإشارة إلى مفرداته، فكانت المحبة أولا ثم العلم ثم القوة.
ولأن المحبة، هي طبيعة إنسانية راقية وشفافة مسندها السموّ بالثقة بالنفس، كذلك هي القوة التي يستمد منها الإنسان عزيمته بغية توكيد حضوره لا مجرد وجوده في بلده، وبالتالي تأخذ عبارة المحبة مكانتها بين المصطلحات التي تخدم أفكارنا ونحن نقيّم حالة فردية أو مجتمعية. بالمحبة، تنمو أواصر اللقاء بين مجموع أفراد الشرائح في المجتمع الواحد، وأيضاً تزداد وضوحا في الأوقات الصعبة التي قد يتعرض لها هذا المجتمع، وذلك على نحو ما يتعرض له بلدنا حالياً فجاءت هذه المناسبة، مناسبة التتويج والتكريم، جاءت عنوان قدرة على تخطي العوائق وهزم تبعات الأحداث التي أحاطت بسورية من صنع من حلم وسيبقى يحلم إلى نهاية عمره بإعادتنا، نحن صناع الحضارة، إلى العصر الحجري.
ولأن التفوق الذي أحرزه شبابنا دليل إبداع وتوافر الموهبة لديهم، فمن الطبيعي أن يؤلمنا، ونحن نواجه تداعيات المؤامرة الراهنة على سورية، يؤلمنا أن نخسر طاقات شابة من أبنائنا المثقفين، بين يوم وآخر، ولأسباب لم تعد خافية على أحد. ولا نعتقد أن المؤسسات المعنية بالثروة الشبابية في سورية غير قادرة على إيجاد حلول للحفاظ عليها بشكل أو بآخر بغية وقف النزيف المستمر بين أفرادها كي يعود من غادرها إليها وكي لا يفكر أحد منهم بمغادرتها بعد اليوم، لتبقى سورية بلداً فتيّا وشابا.
فهنيئا لشبابنا المحلقين في عالم المعرفة وإلى مزيد من الارتقاء في هذا المجال الرحب.
وبهذه المناسبة أعتقد أنه من المفيد أن نستذكر قول القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد في أحد لقاءاته مع هوبير فدرين مبعوث الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في استراحة الزبداني بتاريخ 22/7/1985: «كلما أمكن الجمع بين الشباب والمعرفة كان ذلك أفضل». وكذلك مفيد أن نستذكر قوله إلى وزير خارجية اندونيسيا علي العطاس في اللاذقية بتاريخ 13/8/1991: «ظروف المنطقة التي تحيط بالبلد تلعب دوراً بالنسبة للشباب فعلينا استقطابهم لكي يشعروا بالعزة بأوطانهم وكرامتهم وبمعنى الكفاح من أجل الأفضل لمستقبلهم ومستقبل بلدهم».