رياضة

قضايا ملحة على طاولة المجلس المركزي … الاحتراف بحاجة إلى دراسة معمقة وضبط … أندية كثيرة حبر على ورق ولابد من تنفيذ التخصص الرياضي

| ناصر النجار

عقد الأحد الاجتماع الدوري للمجلس المركزي للاتحاد الرياضي العام بعد عامين من الانقطاع، وحسب النظام فإن المجلس المركزي يعقد اجتماعين في السنة، ويمكن أن يجتمع أكثر في حال دعوته من ثلثي الأعضاء، وحسب القانون فإن المجلس المركزي أعلى سلطة رياضية بعد المؤتمر العام للاتحاد الرياضي العام الذي يعقد كل خمس سنوات وضمن مهامه انتخاب المجلس المركزي الذي ينتخب رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي وهم يشكلون نواة اللجنة الأولمبية السورية ودرجت العادة أن يكون المجلس المركزي في قراراته كلها جزءاً من قرارات الاتحاد الرياضي العام، والقرارات التي تخرج عن إطار المكتب التنفيذي قد لا يكون لها نصيب بأن ترى النور، لأن أي اقتراح جديد بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس، وبالأصل فإن ثلثي أعضاء المجلس هم من التابعين وظيفياً وفنياً للاتحاد الرياضي العام (المكتب التنفيذي) وبالتالي فإن أي مقترح يجب أن يمر عبر القيادة الرياضية ليحصل على الإقرار والموافقة.

والمجلس المركزي يضم أعضاء المكتب التنفيذي واللجنة الأولمبية ورؤساء اللجان التنفيذية في المحافظات ورؤساء الاتحادات الرياضية الأولمبية وبعض الأعضاء المنتخبين من المؤتمر العام للاتحاد الرياضي العام.

والموسم الحالي هو الأخير في دورة الاتحاد الرياضي العام، حيث من المقرر أن يقام المؤتمر العام في شباط القادم متزامناً مع عيد الرياضة وذلك من أجل انتخاب قيادة رياضية جديدة للدورة القادمة التي تستمر من 2025 إلى 2030، وليس من الضروري أن تتغير الشخصيات الحالية، يمكن أن تستمر كما هي، ويمكن أن يتغير فيها بعض الأعضاء، ويمكن أن تتغير بالكامل، وهذا كله نتيجة الانتخابات وما ستفرزه من مقررات ومفردات واجتماعات.

والاجتماع الذي عقد كان عبارة عن أمور إجرائية يتطلبها النظام العام للاتحاد الرياضي العام ومنها الموافقة على الميزانية العامة وعلى ما تم إنجازه واستعراض خطة العمل للموسم الجديد 2024- 2025، وهو بمنزلة براءة ذمة لكل الأعمال والقرارات التي أصدرها المكتب التنفيذي، حيث صارت قانونية، ومنها القرارات الخاصة بتغيير إدارات الأندية والاتحادات الرياضية أو تعديلها ومن على شاكلتها، وهذه بالأصل تتضمن إجراءات عديدة منها موافقة الجمعية العمومية للنادي أو مجلس اللعبة وكذلك مصادقة المجلس المركزي، هذه القرارات كانت تصدر دون هذه الإجراءات وبمثل هذا الاجتماع أخذت كل القرارات شكلها القانوني.

وبكل الأحوال فإن هذه الإجراءات كلها لاقت انتقاد المراقبين لشكلها وأسلوبها وطريقها، بسبب أن بعضها كان غير مناسب بدليل عدم استقرار إدارات الأندية التي شهدت تبديلات كثيرة ضمن هذه الدورة، فمن خلال السنوات الأربع الماضية شهدت بعض الأندية أربعة تعديلات أو تبديلات بالكامل، فعاشت الأندية أجواء غير مستقرة أثرت في ميزان العمل الرياضي بشكل كامل فكان عنوان هذه المرحلة غياب الاستقرار الرياضي في الأندية مع العلم أن منبع الرياضة وأسسها وسبل تطورها وتوسيع قواعدها هي الأندية التي تعتبر الخزان الحقيقي للرياضة، والكلام نفسه ينطبق على الكثير من الاتحادات الرياضية ولو أن اتحاد كرة القدم غير محمي بالفيفا لشهدنا تبديله وتعديله أكثر من مرة، ولكن تم الصبر عليه وعلى بعض أعضائه حرصاً على عدم الاصطدام مع الفيفا، وحرصاً على عدم توقيف كرتنا دولياً كما حدث لبعض الاتحادات الوطنية الأخرى كالكويت مثلاً في فترة سابقة.

الاحتراف الأعمى

من القضايا المهمة والملحة هي قضية الاحتراف المطروحة في الاجتماع والتي تحتاج إلى آلية عمل جديدة تبنى عليها عبر أفكار قابلة للتطبيق وعبر ضوابط صارمة فالاحتراف الأعوج الذي يمارس في كرتي القدم والسلة بات باباً لهدر المال وهو أيضاً باب رزق واسع للسماسرة سواء الذين هم داخل الأندية أم خارجها.

الاحتراف بآليته التي تتعامل بها الأندية بلا ضوابط ومفتوح من كل الجوانب، ونجد أن الأندية تتعامل به وفق هواها ومضاره بصورته الحالية على الشكل التالي:

أولاً: احتراف اللاعب أو المدرب العربي أو الأجنبي كان احترافاً ضاراً لأنه عشوائي، وعشوائيته لأنه يتم دون الاطلاع على السيرة الذاتية الحقيقية للاعبين، فالسماسرة همهم تقديم اللاعب ورفع مستواه الفني، ولكن للأسف وجدنا عملياً على الأرض أن لاعبينا هم أفضل من كل هؤلاء المحترفين الذين زارونا خلال هذا الموسم أو الموسم الماضي، بل إن العديد من الأندية عالقة بمحاكمات دولية مع محكمة الكأس الدولية بشأن بعض اللاعبين والمدربين، ما ترتب على هذه المخاصمات دفع مئات الآلاف من الدولارات لأشباه اللاعبين، وكل ذلك يعود لجهل الأندية بعملية التعاقد، ولجهل الأندية باختيار اللاعبين، وللأسف فإن بعض أنديتنا توقّع عقودها مع هؤلاء لمجرد وصولهم وقبل أن يتم اختبارهم أو خضوعهم لفحص طبي، وبعد العقد يظهر الكثير من المشكلات والآفات، لتجد الأندية نفسها متورطة ولكن بعد فوات الأوان.

من جهة أخرى فإن أغلب أنديتنا تعاني أزمات مالية خانقة، وإذا كانت كذلك، فلماذا تستقدم محترفين بالعملة الصعبة؟ وحسبما أوردته الأخبار فإن بعض الأندية قصرت على لاعبيها المحليين وعلى التزاماتها تجاه اتحاد كرة القدم وموردي التجهيزات الرياضية مقابل التعاقد مع محترف لم يسمن ولم يغنِ من جوع.

ومن أجل ضبط عملية الاحتراف فمن الممكن إصدار قرار يمنع التعاقد مع أكثر من لاعبَين محترفين اثنين، وأن يكون اللاعب المحترف قادماً من ناد يلعب في الدرجة الأعلى في بلاده أو أي بلد محترف فيه، وأن يخضع لفحص طبي وفني على مسؤولية النادي، والأهم أن يتم وضع قيمة عقده في البنك لضمان حقوقه وأن يتم حجز جواز سفره حتى لا يهرب في ليلة ليلاء كما حدث مع نادي الفتوة مع محترفه جوزيف ماركوس.

الأسوأ ما يجري على الصعيد المحلي، فالاحتراف مفتوح والأندية باتت على شكل كوكتيل من اللاعبين، والغريب أن الكثير من العقود توقع دون أي فائدة ترجى للنادي، فهناك لاعبون بلغوا سن الاعتزال ولاعبون لديهم إصابات مزمنة ولاعبون انتهت صلاحيتهم الفنية والبدنية، وهذا هو ما نقصد به بالاحتراف الأعمى، لأنه في بعض الأندية عبارة عن تجميع لاعبين فقط لا غير، ومضار هذه الفوضى الاحترافية على الشكل التالي، أولاً: الأندية تستبدل لاعبيها في كل موسم، وأقل ناد يوقع مع عشرة لاعبين وأكثر كل موسم ما يؤدي ذلك إلى غياب الانسجام والتناغم عن الفريق، وكما نرى فإن كل فرقنا تبدأ موسمها من الصفر، ولم نجد نادياً يتابع ما بدأه في الموسم الذي قبله، حتى بطل الدوري الفتوة فإن استبدل عشرة لاعبين وهو بطل ولاحظنا أن عمليات التعاقد أو إنهاء العقود كانت في بعضها عشوائية وغير مفهومة.

ثانياً: الاعتماد على اللاعب الجاهز يضرُّ في بنية كرة القدم، لذلك وجدنا أن كرتنا من خلال ذلك أصبحت عجوزاً ومتوسط أعمار فرقنا هذا الموسم بلغ ثلاثين عاماً وبعض الأندية تجاوز المعدل الثلاثين عاماً.

ثالثاً: عدم العناية باللاعبين الشبان فخسرت كرة القدم قواعدها المتينة وتسرب اللاعبون إلى فرق الأحياء الشعبية لأنهم لم يجدو مكاناً لهم في فرقهم أو أي فريق آخر، وبالتالي فإن أنديتنا تخلت عن مبدأ التطوير والصناعة باعتمادها على القوالب المسبقة الصنع.

رابعاً: العقود الجديدة ترهق ميزانيات الأندية وخصوصاً أن أغلب العقود توقع لموسم أو اثنين على الأكثر، وهذا يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام المساومة بين الأندية واللاعب مع نهاية عقده في الموسم الواحد.

هناك الكثير من الحلول لوضع حد لعشوائية الاحتراف الداخلي من خلال عدة مقررات أهمها: عدم التعاقد مع أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا سن الثلاثين، وعدم التعاقد مع أكثر من خمسة لاعبين من غير أبناء النادي، وإجبار الأندية على مشاركة سبعة لاعبين من الفريق الأولمبي بفريق الرجال، ومن المهم أيضاً أن يضع النادي ميزانية الاحتراف في البنك قبل توقيع العقود حتى لا يقع بمشاكل مالية مع لاعبيه، فيحدث التمرد وعدم الالتزام.

وللأسف فإن الكثير من الأندية توقع عقوداً مالية مع اللاعبين تفوق ميزانيتها المفترضة بأضعاف، ثم تحاول تسوية الموضوع المالي، من باب الأمر الواقع وعدم وجود المال الكافي للعقود.

من الأمور المهمة إنهاء العمليات الفنية بطريقة مفيدة وإلغاء مبدأ تغيير المدربين وعدم السماح للنادي بتغيير المدرب في الموسم الواحد إلا للضرورة القصوى ضمن شروط موضوعية، ويفضل أن تكون عقود المدربين لموسمين على الأقل وذلك من أجل أن نمنح المدرب الفرصة الكاملة لتقديم ما عنده من أفكار، ولكي يتحقق موضوع الانسجام والتناغم بينه وبين الفريق، وأن تعمل الإدارة على حماية المدرب وتقديم كل دعم ممكن له.

من الأمور المهمة التي على الأندية أن تحرص عليها وهي توقيع العقود الاحترافية سواء مع اللاعبين أو المدربين المحليين أو الأجانب والعرب تضمن حقوقها، يُطالب اللاعب والمدرب بكامل حقوقه، بالمقابل عليها أن تضمن حقوقها كاملة من خلال فرض قيودها على اللاعبين وخصوصاً ناحية الانضباط والالتزام وهبوط المستوى وغير ذلك من الأمور المتعارف عليها.

لكن السؤال المهم: لماذا كرتا القدم والسلة هما المحترفتان الوحيدتان بين الألعاب، ألا يجدر بنا أن تدخل ألعاباً أخرى مهمة عملية الاحتراف وخصوصاً تلك التي تتفوق بها رياضيتنا كرفع الأثقال والملاكمة والمصارعة وغيرها، وخصوصاً أن هذه الألعاب مكلفة وبات الرياضيون فيها يهربون منها لعدم استطاعتهم الاكتفاء الذاتي وتأمين المتطلبات من غذاء وتجهيزات، ولا يكفي أن يقوم الاتحاد الرياضي العام برعاية بعض أبطال هذه الألعاب، فالرعاية الكاملة يجب أن تبدأ من الأندية.

التخصص

عندما تأسست منظمة الاتحاد الرياضي العام كانت على مبدأ الرياضة الشعبية، لذلك كانت أنديتنا تضم في مقراتها الكثير من الألعاب الرياضية قد تكون عشر العاب أو عشرين لعبة، وكانت الأمور تسير على مبدأ الهواية وحب اللعبة.

اليوم اختلفت هذه المفاهيم ومن الضروري العودة إلى موضوع التخصص الرياضي، فالأندية غير قادرة على حمل عدة ألعاب، ولو أنها شكلياً تمارس هذه الألعاب فإنها عملياً لا تقدم لها مقومات الحياة وليس مقومات النهوض والتطوير، لذلك وجدنا الكثير من الألعاب ماتت فعلياً وإن كانت على الورق موجودة في عدد من الأندية.

وفكرة التخصص قائمة منذ أكثر من ثلاثين سنة لكنها لم تتبلور بعد ولم تنفذ على الإطلاق، وإذا علمنا أن لدينا أكثر من خمسمئة ناد مسجل بشكل رسمي، فإن هذا العدد يكفي لتكون الألعاب الرياضية صارت مخصصة بالأندية وليس شرطاً أن يمارس النادي أكثر من لعبة، فهناك أندية تختص بألعاب القوة مثلاً وهناك أندية تختص بالألعاب الفردية وهكذا.

ما نلاحظه أن الكثير من أنديتنا عبارة عن حبر على ورق ومن الضروري أن يتم تفعيل هذه الأندية برياضات تملك إمكانياتها بعيداً عن كرة القدم مع العلم أن هناك أندية اشتهرت بألعاب معينة كنادي سلحب برفع الأثقال ودريكيش بكرة اليد والسودا بالطائرة وغيرها، فلماذا لا نعود إلى هذا المنهج الذي يعود على رياضتنا بالفائدة الكاملة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن