قضايا وآراء

واشنطن وموسكو وتزايد أخطار حرب عالمية

| تحسين حلبي

حين بدأت العملية العسكرية الروسية قبل سنتين على أوكرانيا، سارعت دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى إعداد حرب علنية غير مباشرة ضد روسيا، وقدمت كل أشكال الدعم العسكري المكثف للجيش الأوكراني بهدف استنزاف روسيا وقدراتها العسكرية وهزيمتها، وفي ظل هذه الحرب كان من الطبيعي أن تقوم واشنطن ودول الحلف الأطلسي بفرض سياسة دولية متسارعة لمحاصرة روسيا وحرمانها من مصالحها الاقتصادية ومن المحافظة على علاقاتها السياسية بدول كثيرة في العالم ولتجنيد أكبر عدد من الدول ضدها.

بهذا الشكل قامت واشنطن بتصعيد الحرب على روسيا وحولتها إلى جدول عمل دائم حتى الآن لتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، وفي ظل الطريق المسدود الذي واجهته الدول الأطلسية أمام قدرات روسيا على صد هذه الحرب وتحقيق المكاسب الميدانية فوق الأراضي الأوكرانية، بدأت بعض الدول الغربية مثل فرنسا بالتلويح بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا وبناء مصانع للذخيرة والسلاح فيها، بحجة أن الجيش الروسي الذي سيطر مع حلفائه في الأراضي الأوكرانية على مناطق إستراتيجية، سيفكر بالسير نحو إسقاط العاصمة كييف وإلحاق الهزيمة الحاسمة بالجيش الأوكراني، وهذا ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الدفاع سيباستيان لوكومو أيضاً قبل أيام حين قال في 9 من شهر آذار الجاري إنه «يدرس خيارات من بينها نشر قوات فرنسية على أراضي أوكرانيا وقيامها بمهام فيها».

وكان الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل الذي شارك باجتماع عقده ماكرون للأحزاب الفرنسية، قد ذكر قبل ذلك أن ماكرون نفسه قال في ذلك الاجتماع إن «فرنسا قد تبادر إلى القيام بتدخل تنشر بواسطته قوات فرنسية إذا ما حاول الجيش الروسي التقدم نحو أوديسا أو العاصمة كييف، لكنه لم يوضح إذا ما كان ينوي استخدام هذه القوات للانخراط المباشر بالقتال ضد الجيش الروسي»، وأضاف روسيل إن عدداً من قادة الأحزاب الفرنسية حذروا من أي تورط فرنسي مباشر بالحرب ضد روسيا، وفي أعقاب مؤتمر قمة قادة الاتحاد الأوروبي في شهر شباط الماضي ذكرت وسائل الإعلام أن ماكرون «أثار بلبلة حين أوحى أن القوى الغربية ما تزال تدرس نشر قوات عسكرية في أوكرانيا لكنه اعترف بأن هذه الخطوة غير مستبعدة رغم عدم وجود إجماع حولها حتى الآن»، وكانت بريطانيا بشكل خاص قد اعترفت بوجود عسكري بريطاني على الأراضي الأوكرانية بينما لا أحد يشك بوجود عسكري أميركي ومشاركة مباشرة بالحرب من وكالات المخابرات الأميركية على الأراضي الأوكرانية.

وأمام هذا التصعيد التدريجي الغربي ضد روسيا من الطبيعي أن يتوقع المحللون في الغرب من روسيا إعداد خططها لمجابهة حاسمة وسريعة لأي تطور يصل إلى درجة التدخل العسكري الغربي المباشر ضد القوات الروسية أو ضد حلفائها في أوكرانيا، وهذا ما زاد من التحذير من نشوب حرب عالمية ثالثة يريد الرئيس الأميركي جو بايدن فرضها على العالم، ففي تحليل نشره الموقع الإلكتروني لمجلة «بلومبيرغ» واسعة الانتشار يرى الباحث من «معهد هوفر للدراسات» في جامعة ستانفورد الأميركية، نيال فيرغسون، أن سلسلة الهزائم الأميركية من أفغانستان إلى العراق وتزايد القدرة العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط، جعلت أميركا لا تتحمل أي هزيمة في أوكرانيا وخصوصاً أن واشنطن تواجه الصين في تايوان، وإيران في الشرق الأوسط، ولذلك إذا كان البعض لا يتصور وقوع حرب عالمية ثالثة فلينظر إلى هذه الوقائع».

يستشهد فيرغسون بما قاله الرئيس بايدن أثناء زيارته قبل عام للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إن «الولايات المتحدة ستستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا مهما طال زمنها ومهما كلفت»، ولا شك أن هذه الحرب ضد روسيا هي الأولى في عهد القطب الأوحد الأميركي في الساحة العالمية أمام قوة كبرى مثل روسيا، وستكون أضرارها على المصالح الأميركية أكبر من أضرار كل الحروب التي هزمت فيها إقليمياً في أفغانستان أو العراق، فقد أصبحت هذه الحرب ضد روسيا آخر امتحان للقوة والهيمنة الأميركية في عهد ما بعد مرحلة الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة، ولذلك أعلن بايدن عن تمسكه باستمرارها مهما طالت لأن الانتصار فيها أو الهزيمة سيحددان مستقبل كل المصالح الأميركية في العالم، ولا شك أن روسيا هي التي انتصرت حتى الآن في ميدان هذه الحرب وهذا ما سوف يجبر الولايات المتحدة وحلفاءها على التفاوض لنزع فتيلها مهما كانت نتيجة الانتخابات الأميركية سواء بقي بايدن في الرئاسة أم حل محله الجمهوري دونالد ترامب في نهاية هذا العام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن