الأولى

تدمر..الحجر أم البشر؟

كثر الحديث مؤخراً عن مدينة تدمر محلياً ودولياً، الكل حسب نظرته للمدينة التاريخية، فمنهم من يرى فيها كنزاً من كنوز التاريخ المصنف عالمياً وواجب الحفاظ عليه، ومنهم من يرى فيها ذكريات لأيام خلت حين كانت تغص بعشرات الآلاف من السياح من حول العالم، وآخرون لا يذكرون عنها سوى صور الآثار والأعمدة والأوابد وكأن تدمر مدينة أشباح لا يسكنها إلا التاريخ والذكريات!
كل هؤلاء على حق، وربما جميعنا مقصرون في الحديث عن تدمر ومدلولاتها، لكن الجيش العربي السوري له نظرة أخرى حول هذه المدينة وأهميتها، فهو ينظر إليها أولاً من خلال سكانها الأصليين ومدنييها، وينظر إليها من خلال واجبه المقدس في حماية أرواح هؤلاء الذين لم يحافظوا فقط على تدمر طوال عقود من الزمن، بل منهم من ساهم في كتابة تاريخ هذه المدينة العريقة ونشره حول العالم لتصنف كمدينة تاريخية، وها هم اليوم يقرر عدد كبير من أهاليها حمل السلاح ليكونوا إلى جانب قواتنا المسلحة في الدفاع عن مدينتهم وأرضهم وتاريخهم وهويتهم الوطنية وحماية إخوانهم وأهاليهم.
هؤلاء هم من يعتبرهم جيشنا كنز تدمر الحقيقي وتاريخها، وهم من يجب حمايته أولاً وأخيراً وقبل أي شيء آخر، وهذا ما يفسر ما حصل في الأمس حين دخلت داعش بأعداد كبيرة إلى عدة مناطق من تدمر، فما كان على الجيش والقوات التي تؤازرها إلا اتخاذ القرار الصعب وتحديد الأولويات، وكانت الأولوية التي لا نقاش فيها توفير الحماية للتدمريين، وتحصينهم من الإرهاب الآتي عبر الحدود، إرهاب لا هدف ولا مشروع له سوى قتل البشر وتدمير الحجر والحضارات، وإعادة سورية قروناً إلى الوراء كما فعل في المناطق التي احتلها سابقاً في الرقة وغيرها.
إذاً، لا خوف على تدمر ما دام التدمريون بخير، وما دامت كنوز المتحف الوطني بخير وفي مكان آمن حيث نقلت جميعها للحفاظ عليها، ولا خوف على المدنيين الذين يحيطهم جيشنا بكل العناية والأمان ليكونوا بعيدين عن مناطق الاشتباك، ولنتذكر هنا معلولا وما حصل فيها وكيف عمل الجيش على حماية المدنيين وتأمينهم، وها هم اليوم عادوا إليها ليرمموا ما دمره الإرهاب ويعيدوا الألق إلى مدينتهم التاريخية.
بكل تأكيد، لسنا خبراء عسكريين ولا علم لدينا بخطط الجيش والقوات المسلحة، وما لدينا من معلومات من أهل تدمر أنفسهم تفيد بأن الجيش متواجد إلى جانبهم ويحميهم ويقدم الغالي والنفيس من شهداء وجرحى، منعاً لإلحاق أي أذى فيهم، حتى لو كلفه ذلك الانسحاب من بعض المناطق أو حتى إجلاء كل المدنيين من تدمر على أن يعودوا إليها لاحقاً بخير وسلام.
ما نعرفه، كما الجيش العربي السوري، أن البشر أغلى بأضعاف من الحجر، وأن من حافظ على تدمر ورممها، قادر على إعادة بنائها عشرات المرات، فنحن من يصنع الحجر وليس العكس.
وكما كانت زنوبيا ملكة تدمر تمتلك الحكمة والعقل والسياسة ما مكنها من بناء إمبراطورية استثنائية، ها هم اليوم أبناء تدمر جنباً إلى جنب مع قواتنا الباسلة يخوضون الحرب بحكمة وعقل للحفاظ على البشر أولاً والحجر ثانياً، حماية للتاريخ وللهوية الوطنية، وتقديساً للواجب الإنساني والديني بحماية الأرواح البشرية، لا قطع الرؤوس وهدم الحضارات.
تدمر باقية مع بقاء التدمريين ولن تسقط أو تزول إلا بزاولهم، وهذا ما لن يسمح به الجيش العربي السوري وبذل وسيبذل كل الجهود لحمايتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن