قضايا وآراء

مستقبل سورية بأيدي شعبها وعلى دول المنطقة أن تتبنى سياسة مستقلّة ومتوازنة

| ليانغ سوو لي

في آذار 2011، اندلعت أزمة داخلية في سورية، متأثرة بحركة «الربيع العربي»، حيث دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بقوة قوى المعارضة السورية، وحاولت الإطاحة بنظام البلاد من خلال «حرب بالوكالة»، وتسبّبت الحرب التي استمرت أكثر من عشر سنوات، في أضرار جسيمة للبنية التحتية في سورية، وهروب كميات كبيرة من رؤوس الأموال، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ثم أدت العقوبات الأحادية غير القانونية الطويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة والتهريب المتكرر للنفط والحبوب والإمدادات الأخرى من سورية، إلى تفاقم النقص في الطاقة والحبوب في البلاد، ما جعل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية أسوأ مما كانت عليه.

وفي مواجهة القضايا الأمنية في الشرق الأوسط، أكدت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً على «النظام الدولي القائم على القواعد» و«نظرية السلام الديمقراطي»، ومن خلال التغليف الخطابي، تم وضع مختلف سلوكيات الهيمنة والتسلّط التي تمارسها الولايات المتحدة ضد سورية، بما في ذلك التدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية والحصار التكنولوجي، تحت عباءة النفاق المتمثلة في الحفاظ على «النظام الدولي القائم على القواعد».

منذ عام 2014، وتحت شعار «مكافحة الإرهاب» وبذريعة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، شنت الولايات المتحدة ما يسمى «الضربات الجوية الأكثر دقّة» في سورية، وفي عام 2019، أقرّ الكونجرس الأميركي «قانون قيصر»، الذي استخدم ذريعة حماية المدنيين لتوسيع نطاق العقوبات الاقتصادية والسياسية، ليشمل تقريباً جميع الصناعات المرتبطة بالاقتصاد الوطني ومعيشة الشعب في سورية.

في ظل ما يسمى بـ«النظام الدولي القائم على القواعد»، يتم حرمان الشعب السوري من حقوق الإنسان وحياته بدلاً من الحفاظ عليها، ولا يزال لدى الولايات المتحدة نحو 900 جندي متمركزين في سورية باسم «مكافحة الإرهاب»، وقد أثبتت الحقائق أن الولايات المتحدة لا تنوي جلب الديمقراطية للشعب السوري، بل تريد فقط تنفيذ سياساتها الخاصة من خلال وجودها العسكري في سورية وإجبار البلاد على قبول الحل السياسي الذي تعترف به الولايات المتحدة.

لقد اكتشفت المزيد من دول المنطقة، أنه لم يعدّ من الممكن أن تظلّ في وعرة الصراعات والمواجهات ولعبة المحصلة الصفرية التي خلقتها الولايات المتحدة، لذلك بدأت في اتباع سياسة خارجية مستقلة ومتنوّعة ومتوازنة، وعلى هذه الخلفية عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً استثنائياً على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة في أيار الماضي، واتخذت قراراً باستعادة سورية عضويتها واستئناف مشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة، وفي هذا الوقت، تصرّ الولايات المتحدة على تمديد العقوبات الأحادية غير القانونية على سورية وتستمرّ في معارضة إعادة العلاقات بين الدول الأخرى وسورية بحجة حقوق الإنسان. ويمكن ملاحظة أن الولايات المتحدة ليست على استعداد لرؤية زيادة استقلال دول الشرق الأوسط، كما أنها ليست على استعداد لفقد السيطرة على الشرق الأوسط.

في آذار من العام الماضي، توصّلت السعودية وإيران إلى مصالحة تحت رعاية الصين، الأمر الذي أصبح إنجازاً مرحلياً رئيسياً لمبادرتي الأمن والتنمية العالميتين وتحسن المناخ الأمني في الشرق الأوسط، ووجه جميع أطراف النزاعات لإعادة التركيز على قضايا التنمية ومعيشة الشعب.

وباعتبارها قوة جديدة من خارج المنطقة، اختارت الصين موقفاً مختلفاً عن التدخل الغربي التقليدي لتلعب دورها، وتعتقد الصين أن جوهر الفوضى في الشرق الأوسط يكمن بشكل رئيسي في العجز التنموي وعدم التوازن، ولذلك تقترح مفهوم «تعزيز السلام من خلال التنمية»، وفي السنوات الأخيرة، كان التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في إطار مبادرة «الحزام والطريق» ومنتدى التعاون الصيني العربي، عملياً بشكل واضح، وتتوافق مشاريع التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والبنية التحتية الجديدة والتكنولوجيات الجديدة والصناعات الجديدة بشكل كبير مع الرؤى التنموية لدول المنطقة، وقد أدت إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية بين الصين ودول الشرق الأوسط بشكل شامل، وفي أيلول من العام الماضي، أصدرت الصين وسورية البيان المشترك بإقامة الشراكة الإستراتيجية بين البلدين ووقعتا عدداً من وثائق التعاون الثنائي مثل البناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق» وتبادلات التنمية الاقتصادية والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي.

الآن، تفكر جميع مناحي الحياة في الشرق الأوسط بعمق حول ما إذا كان بإمكانها الهروب من فخ الصراعات التي تكررت في العصر الحديث، وقد أصبح الحل واضحاً بشكل متزايد وأصبح محل إجماع بين دول الشرق الأوسط، وهو تغيير المفهوم التقليدي للنظام والأمن القائم على المنطق الجيوسياسي الغربي، والتخلي عن عقلية المحصلة الصفرية، وحل النزاعات والخلافات بين الدول بطرق سلمية من خلال الحوار والتشاور.

ودعمت الصين دائماً شعوب الشرق الأوسط إلى استكشاف مسارات التنمية بشكل مستقل، ودعمت وحدة وتعاون دول الشرق الأوسط في حل قضايا الأمن الإقليمي، ومستقبل سورية يجب أن يكون في أيدي الشعب السوري، وترغب الصين في العمل مع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي من أجل العمل المشترك على تعزيز التسوية السياسية للقضية السورية، ونأمل أن يزهر الورد في أنحاء دمشق كافة من جديد قريباً، ليعم الحب والسلام في سورية.

إعلامية صينية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن