قضايا وآراء

أسئلة لا تحتاج أجوبة

| منذر عيد

هل فعلاً بات العالم أعور لا يرى سوى ما يريد أن يراه، ومنافق حد البكاء على ضحيته، وخانع للهيمنة الأميركية حتى وإن كان في سياسة الإدارة الأميركية وتعاملها معه الشيء الكثير من الإذلال والاستغباء له؟ وهل هناك فعلاً من يصدق آخر بدع رئيس تلك الإدارة أن إنشاء ميناء عائم على شاطئ قطاع غزة هو فعلا خدمة للشعب في غزة، ومن أجل إمداده بأسباب البقاء والصمود في وجه آلة القتل الصهيونية، ومن أجل التجذر في أرضه؟ وهل فعلاً مر ترحيب قادة الكيان الإسرائيلي ومشاركتهم في إقامة ذاك الميناء، مرور الكرام دون أن يتساءل لماذا يهرول الجميع من أجل فتح طاقة في جدار الحصار الإسرائيلي على القطاع لإدخال المساعدات وهم ذاتهم من يغلقون أبواباً، ويقصفون قافلات المساعدات البرية منذ بدء العدوان؟

إذا كنا، حال الكثيرين نشكك بالأهداف الحقيقية لإقامة الميناء العائم في غزة وبنيات الرئيس الأميركي جو بايدن، فليس لأننا من «أصحاب نظرية المؤامرة»؛ ولا من باب إجحاف حق أصحاب النيات الطيبة والمبادرات الإنسانية الخلاقة؛ بل من باب يقيننا وإيماننا بأن من يشحذ السكين التي تقتل أطفال ونساء وشيوخ غزة، لا يمكن له أن يقدم بالوقت ذاته الضماد لهم لبلسمة جراحهم، فمن المحال أن يبكي الذئب وهو ينجذ أنيابه بجسد فريسته، وعليه فإن بايدن ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليسا سوى ذئبين والشعب في غزة الضحية، ومن باب حسن النية؛ نعتقد أن جميع «أصحاب نظرية المؤامرة» سوف يرحبون بمشروع بايدن- نتنياهو «الإنساني» تجاه سكان غزة إذا ما تمت الإجابة على جملة من الأسئلة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

في حقيقة إنشاء الميناء، فإن ذلك لم يكن إبداعاً من بايدن، حسب ما قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، فإنه وبعد أسبوعين من اندلاع الحرب في غزة، ناقش نتنياهو مع بايدن فكرة توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر البحر، وعليه فإن الأخير ليس سوى واجهة ولسان للأول ينفذ خططته ولا يبتكر شيئاً جديداً، ليكون السؤال لماذا يسارع نتنياهو إلى إدخال المساعدات إلى غزة عن طريق البحر، وهو من أوقفها عبر معبر رفح وكرم أبو سالم، وقصف الشاحنات في رفح وخانيونس، وإذا كان نتنياهو وبايدن جادين في مساعيهما لماذا ميناء على شواطئ غزة، وميناء أسدود لا يبعد سوى 25 ميلاً من غزة؟

وقبل فكرة إدخال المساعدات، أليس من المفترض على بايدن الضغط نحو وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، من أجل وقف نزيف الدم، وتقليل الحالات التي بحاجة إلى المساعدات، فلماذا يذهب رئيس الإدارة الأميركية إلى البحث في النتائج دون حل الأسباب؟ وهو منذ بدء العدوان على غزة وحتى ساعته، لم ينطق بكلمة واحدة بضرورة وقف العدوان، وقال بالأمس «إن أميركا ستواصل العمل مع إسرائيل لتوسيع عمليات إيصال المساعدات لقطاع غزة»، فهل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني يكون بتوزيع المساعدات أم بإنهاء العدوان؟

في مؤشرات على سوء نيات بايدن ونتنياهو من إنشاء الميناء العائم، ما أعلنه السكرتير الصحافي للبنتاغون الميجور جنرال باتريك رايدر، بأن الجيش الأميركي يتوقع أن يستغرق بناء الرصيف البحري والجسر الذي يربطه باليابسة إلى ما يصل إلى 60 يوماً، أليس ذلك بدليل على أن الخطط تمضي إلى أشهر أخرى من الحرب على غزة، وعليه فإن ذلك يكشف السبب الحقيقي من وراء مشروع الميناء وهو إخراج معبر رفح عن الخدمة نهائياً، وتهيئة منطقة رفح لوجستياً لعدوان إسرائيلي بري، وإجبار الفلسطينيين على المغادرة، وتهجيرهم قسرياً عبر الميناء بعد التشديد في محاصرتهم جوعاً، عبر تأخير وصول سفن المساعدات من قبرص تحت ذريعة تأخر التفتيش الإسرائيلي هناك.

من نافلة القول: إن مشروع الميناء العائم في غزة ليس سوى معركة في العدوان الذي يشنه الاحتلال على القطاع، والهدف هو البقاء على آلة الحرب تعمل ولكن بشكل مختلف عما كانت عليه في بداية العدوان، وذلك لسبب بسيط وهو أن ليس لنتنياهو أي فرصة للبقاء في منصبه إلا بإبقاء الوضع في غزة على ما هو عليه وتجويع السكان أكثر فأكثر، إلى حين لا يجدون حلاً سوى الرحيل عن أرضهم، عبر أقرب المنافذ وهو الميناء العائم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن