قضايا وآراء

معركة حماية الحقائق وتفنيد أكاذيب إسرائيل

| تحسين حلبي

أي هروب أو تهرب عن الإصرار على محاكمة إسرائيل وجمع كل الوثائق والدلائل والمبررات لاستمرار محاكمتها وإدانتها ومعاقبتها على الجرائم التي ارتكبتها طوال تلك الحرب سيعد استسلاماً طوعياً وهزيمة للشعب الفلسطيني ولكل من وقف مع هذا الشعب وندد بجرائم إسرائيل وطالب بمحاكمتها وإدانتها، بل سيعد تفريطاً بحقوق الضحايا. وبالمقابل لا أحد يشك أن إسرائيل وشركاءها من حكومة الولايات المتحدة حتى آخر حكومة أوروبية سيعملون على توحيد خططهم وجهودهم المضادة لمنع استمرار محاكمتها أو إدانتها، كما يجب على الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتها أن تفرض على الأمم المتحدة تخصيص يوم عالمي دائم لذكرى ضحايا الشعب الفلسطيني الذين استشهدوا على أيدي جيش الاحتلال وكيانه في الحرب التي شنها بجميع أشكال الإبادة المنهجية لأطفال وأمهات وفتيات وشبان الشعب الفلسطيني في غزة وتدمير بيوتهم. ولا أحد يجب أن يشك بأن الكيان الإسرائيلي وحركته الصهيونية العالمية بدأ يعمل الآن على قلب سردية هذه الإبادة واستحقاقاتها ضده بكل أشكال الحروب الإعلامية والابتزاز والمزاعم بهدف تحويل حقائق هذه السردية إلى اتهامات ضد الفلسطينيين ومقاومتهم المشروعة وصمودهم العظيم. ففي بعض الأحيان تجري كتابة التاريخ على يد من يعد نفسه منتصراً لفرضها على من يعد مهزوماً إذا لم يدافع عن انتصاره وصموده. وإسرائيل بدأت من هذه اللحظة بالترويج لنفسها «كضحية» على يد الفلسطينيين وتزعم أنهم ارتكبوا مذبحة في السابع من تشرين الماضي في مستوطنات غلاف قطاع غزة ولا تتورع في آلة أكاذيبها عن عرض نفسها على شكل ضحية لكي تحاصر العالم وتبتزه بسردياتها المختلقة التي لا تصمد أمام أدنى أشكال المنطق. ولهذا السبب أعدت خطة أرسلت بواسطتها 40 من أقارب عدد من الأسيرات اللواتي أفرجت المقاومة عنهن بموجب عملية التبادل إلى جلسة عقدها قبل أيام مجلس الأمن الدولي للنظر بالاتهامات الإسرائيلية بمشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي (إسرائيل كاتس) ومندوب إسرائيل في الأمم المتحدة (جيلعاد أردان) ليتبين أن شهادة كيرين موندير الأسيرة السابقة في أيدي المقاومة ومن كان معها لم تحمل أي معنى أو دليل بنظر الحضور على ما زعمته إسرائيل عن اغتصاب جرى في السابع من تشرين الأول الماضي لنساء جرى أسرهن من المستوطنات.

وبدا أن الوزير كاتس كان يتوقع ألا تخضع الأمم المتحدة لمسرحيته هذه، فقام قبل ساعات من هذه الجلسة بإرسال رسالة حادة اللهجة وجهها لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جاء فيها بموجب ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بالعبرية في 11 آذار الجاري: «لقد كان رد فعلك على الفظائع التي ارتكبتها حماس غير مقبول كما كانت عدم المبالاة التي تعاملت بها مع التقرير حول العنف الجنسي الذي ارتكبته حماس مخيباً جداً. وكان عدم استعدادك لاتخاذ موقف دولي جاد ضد تلك الفظائع يدل على انحياز واضح للطرف الآخر. ولو لم تكن الضحايا من اليهود أو الإسرائيليين لكنا قد رأينا منك رداً أكثر حزماً. فالأنروا (منظمة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين) تحت إشرافك كانت منخرطة بالمذبحة (ضد الإسرائيليين) والآلاف من موظفيها كان لهم صلة بالعمليات التي قامت بها حماس».

وأضاف كاتس في رسالته لغوتيريش «أن رئاستك لمنظمة الأمم المتحدة سيسجل التاريخ أنها بلغت أسفل درجة بسبب تقليل مكانتها، وهذا ما جعلها تتحول إلى موقع لمعاداة السامية والتحريض ضد إسرائيل».

وطالب كاتس أمين عام الأمم المتحدة قائلاً في رسالته: «يجب عليك إعادة الأسرى الإسرائيليين لكي تضمن بذلك أنك تدافع عن العدالة وحقوق الإنسان»!! ولا شك أن كل عبارة في هذه المقاطع من الرسالة تثبت أن إسرائيل تسعى إلى ابتزاز وتهديد كل شخصية دولية تندد بجرائمها بمعاداة السامية وبالتحريض ضد إسرائيل لكي تفرض سرديتها، وهي تعرف أن كل طفل وأم وعجوز قتلته في قطاع غزة لا يحتاج لأدلة تثبت ارتكابها المنهجي لإبادة شعب.

وقد كشف الدكتور يحيى القزاز من مصر أنه تم توثيق 112 حالة اغتصاب بالمواقعة داخل سجون الاحتلال لأسيرات من غزة، ثلاث حالات منها وقعت لفتيات (عذراوات) وكان الاغتصاب جماعياً، وإحدى هذه الحالات نقلت بإشراف دولي إلى مكان سري لإخفاء الجريمة وهي حامل الآن، وهذا لا يعد إلا جزءاً من جرائمها الموصوفة الموثقة، فإسرائيل استخدمت كل الأشكال الوحشية الصارخة ضد الشعب الفلسطيني، وإذا لم يتمكن الجميع من المشاركة في معركة التصدي لتفنيد مزاعمها وتثبيت حقائقنا فإنها ستحول الفلسطينيين إلى جناة وتزعم أنها الضحية على غرار ما فعلته الحركة الصهيونية عام 1948 حين اتهمت مع حلفائها الاستعماريين اللاجئين الفلسطينيين بأنهم تركوا بيوتهم ومدنهم طوعاً ولم تجبرهم المنظمات المسلحة الصهيونية بمذابحها على الرحيل عن وطنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن