قضايا وآراء

دمشق والعرب.. عود على بدء

| د. مازن جبور

الاتصالات والتحركات الدبلوماسية التي جرت مؤخراً، وتحديداً خلال الأسبوع الفائت، يمكن اعتبارها «عود على بدء» في العلاقات بين دمشق وباقي الدول العربية، تحمل تلك العودة في طياتها إقرار عربي بمكانة دمشق المركزية في العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات وحل القضايا المركزية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كما تشير إلى احتمالية القيام بخطوات لاحقة قريبة في هذا الشأن وكذلك بخصوص التقدم في العودة إلى سورية.

كان لافتاً قبيل شهر رمضان المبارك الاتصال الذي تلقاه الرئيس بشار الأسد من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، والذي بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات القضية الفلسطينية مع تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.

وبحلول الشهر الفضيل تلقى الرئيس الأسد برقيات تهنئة بالمناسبة، كان اللافت والجديد فيها تهنئة كل من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان بالإضافة إلى رسائل عدة أخرى من رؤساء وملوك وأمراء عرب، إذ تحمل رسائل التهنئة تلك، مضامين دبلوماسية على مدى التقدم الكبير والمتسارع في تطور العلاقات السورية العربية عموماً، والسورية السعودية خصوصاً، والذي انطلق مع وقوع الزلزال المدمر في شهر شباط من العام الماضي.

وعلى حين يقدم ما سبق دليلاً واضحاً على فرض دمشق لوجهة نظرها بخصوص الحرب الإرهابية التي شنت عليها، يقدم كذلك دليلاً على قدرتها على تجاوز العزلة الدولية التي حاولت واشنطن فرضها عليها، ومن ثم تثبيت موقعها في الخريطة السياسية العربية كفاعل إقليمي رئيس في القضايا المركزية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

تلا الحدثين السابقين، زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد إلى الرياض ولقائه بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، إذ تركزت مباحثاتهما أيضاً على العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأوضاع في المنطقة وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المحاصرين في غزة، وهو تأكيد آخر على دور سورية المركزي في القضية الفلسطينية كما في مختلف القضايا العربية المشتركة، كما ناقش الوزيران الجهود التي تبذلها دمشق لمتابعة عمل لجنة الاتصال العربية بشأن سورية، والتحضير للاجتماع القادم لها، الذي من المقرر أن يعقد في العاصمة العراقية بغداد في وقت لاحق.

يمكن للمتتبع للاتصالات والتحركات الدبلوماسية السابقة استنباط مجموعة من التطورات السياسية التي قد نشهدها في المستقبل القريب، والتي ستكون سورية محورها، ودورها مركزي فيها، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: تكثيف الزيارات والاتصالات ومختلف أشكال التحركات الدبلوماسية بين سورية وعدد من البلدان العربية، وبشكل رئيس وزراء خارجية مجموعة الاتصال العربية، أي كل من سورية ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والعراق والمملكة العربية السعودية، ومضمونها الرئيس الملفات التي ستبحثها لجنة الاتصال خلال اجتماعها القادم في بغداد، من إمكانية الاتفاق على برنامج عمل بخطوات محددة ومؤطرة زمنياً، والتباحث في دعم العرب لإعادة إعمار سورية وتجاوز الحصار والعقوبات ومحاربة الإرهاب وإعادة العلاقات والتمثيل الدبلوماسي إلى مستواه الطبيعي بين الدول الأشقاء، وخاصة أن الرياض تأخرت في تعيين سفير لها في دمشق على الرغم من قيام دمشق بتعيين سفير لها في الرياض، إذ ترجح التحليلات أن يكون سبب التأخر السعودي هو حجم الضغوط الأميركية والغربية لمنع ذلك، فآخر مؤشرات العرقلة ظهر في البيان الأميركي البريطاني الفرنسي الألماني المشترك، الذي يصر فيه الغرب على نهجه العدواني ضد سورية بالتأكيد على عدم رفع العقوبات ومنع إعادة الإعمار، ومنع الدول من استعادة علاقاتها بدمشق.

ثانياً: باتت حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي على الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، تمثل تحدياً للأنظمة السياسية العربية أمام شعوبها، خصوصاً مع استمرار الإبادة والتجويع والحصار والدمار خلال شهر رمضان المبارك، ومن ثم فإن اتخاذ قرار عربي أو على الأقل المبادرة بتحركات عربية جدية قبل حلول عيد الفطر المبارك أصبح أمراً ضرورياً، ما يقتضي تشاوراً عربياً واتخاذ موقف توافقي يحظى بالإجماع، وتنسيق تحرك متزامن لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وهنا تبرز سورية كركن أساسي من أركان العمل العربي المشترك لمواجهة تحديات الأمة.

من الطبيعي أن يكون للتحركات السابقة المنتظرة تفاصيلها، ولاسيما ما يتعلق بالشأن الداخلي السوري والموقف من الصراع مع العدو، وهنا يجدر التأكيد مجدداً على موقف سورية الثابت من عدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية وفي موقفها من التطبيع مع العدو، ومن ثم يجب أن تكون جهود العرب في إطار الأخوة وأن تصب في سبيل تحقيق وحدة وسيادة واستقرار سورية وفي سبيل خدمة القضايا العربية المشتركة ومواجهة التحديات المحدقة بالعرب.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن