قضايا وآراء

مصر ومخاطر المسار الفلسطيني

| معتز خليل

أتذكر قبل العدوان الأميركي على العراق واحتلاله أن عقدت قمة عربية في مدينة شرم الشيخ المصرية، وهي القمة التي كانت في الحادي والعشرين من مارس عام ٢٠٠٣، حيث اتفق القادة العرب على «الرفض المطلق» لضرب العراق وضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية و«تجنب الحرب».

وعقب انتهاء القمة قال الرئيس بشار الأسد إن جميع الدلائل والتوقعات غير مطمئنة دولياً، معرباً عن خشيته من تداعيات بعض المواقف العربية المتعلقة بهذا الغزو، فضلاً عن وجود نية دولية لضرب العراق واحتلاله، مشيراً إلى أن عدداً من الدول العربية توافق وتدعم القرار الأميركي، وحتى الدول العربية الرافضة لهذا القرار لا تتخذ الموقف القادر على التصدي لهذا العدوان المنتظر.

وتحققت بالفعل رؤية الرئيس الأسد وقامت أميركا بعدوانها وقامت بأسر الرئيس العراقي، الذي تم إعدامه بعد ذلك.

في هذا الإطار هناك قضية مشابهة حالياً تتجلى مع الموقف الأميركي ونظرته حيال التطورات الحاصلة في غزة، حيث تمتلئ الكثير من وسائل الإعلام بالحديث عن خلاف إسرائيلي أميركي، وهو خلاف على الورق فقط، والأصح أنه بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، وليس بين الدولتين أو الحكومتين الإسرائيلية والأميركية.

في هذا الصدد تقوم الولايات المتحدة حالياً بعملية تدشين لميناء بحري في غزة، وهو الميناء الذي سيكون له الكثير من التداعيات على الموقف المصري إزاء القضية الفلسطينية حالياً.

وبات من الواضح أن مصر تواجه الكثير من التحديات على المسار الفلسطيني، وهي التحديات التي تجلت أخيراً مع خطوة تدشين الولايات المتحدة الأميركية بمشاركة بعض من الدول الأوروبية المدعومة بالطبع من إسرائيل ميناء بحرياً، وهو الميناء الذي سيكون الهدف الرئيسي منه هو تقديم المساعدات للسكان الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، فضلاً عن اتباع آلية جديدة واستراتيجية جديدة لإدخال المعونات.

والحاصل فإن النظرة الإستراتيجية الأولى لهذا الميناء الذي ترعاه أميركا تشير إلى إمكانية تأثيره على معبر رفح مع مصر، وهو المعبر الذي تصاعدت أهميته عقب قيام إسرائيل بغلق معابرها الستة مع غزة منذ سنوات، والسيطرة على أي منفذ من المنافذ للقطاع، ما جعل معبر رفح حلقة الوصل الوحيدة بالعالم.

وبات وضع منظومة لعمل هذا الميناء تشير إلى بعض من النقاط الرئيسية ومنها:

• تدشين هذا الميناء يدعو لتقديم المساعدات وإنقاذ سكان غزة من الجوع والمرض الذي ينهش أجسادهم.

• هناك نية أميركية واضحة لطرح وتعظيم الملف الإنساني على حساب بقية الملفات الأخرى.

• تغلق إسرائيل جميع معابر الاتصال مع غزة، وفي الوقت نفسه تتعاون بسخاء لبناء الميناء، وهو أمر يطرح الكثير من التساؤلات.

• من الواضح أن الولايات المتحدة لا ترغب في الضغط على إسرائيل من أجل إجبارها على إدخال المساعدات من المنافذ ونقاط العبور الحالية، ويبدو أن هناك اتفاقاً سياسياً يقضي بتحويل مسار المساعدات خلال الفترة المقبلة ليكون وبصورة أساسية عبر الميناء الجديد.

عموماً فإن تدشين هذا الميناء يمثل نتيجة طبيعية في ظل استمرار تعطل دخول المساعدات عبر معبر رفح، وإخضاع المساعدات لمنظومة دقيقة من التدقيق في عمليات التفتيش عند معبر كرم أبو سالم، فضلا عن إشعال المظاهرات واحتجاجات المستوطنين لمنع دخول الشاحنات، وبجانب كل هذا هناك حديث أميركي مثير للريبة بشأن استمرار الاعتماد على معبر رفح، فضلاً عن تواصل الاتهامات لمصر بالتنسيق الأمني مع إسرائيل في محور فيلادلفيا، ثم الإعلان عن حتمية اجتياح رفح، إلى أن وصل الحال الآن إلى تدشين الميناء في غزة.

إن ملف الميناء قد يكون اختباراً أميركياً وإسرائيلياً حاداً لمصر، لأن القاهرة ستكون أول المتضررين منه إذا أخفقت في تفويت الفرصة على من يريدون استثماره ليصبح بديلاً من معبر رفح.

بات من الواضح أن مصر إن لم تقم بتطوير ديناميكيات تعاملها سياسياً وأمنياً مع القضية الفلسطينية فسوف يتسرب دورها من بين يديها، وتوضع العديد من مفاتيح التحكم فيها عند آخرين، ويبدو أن هذا الهدف يروق تماماً للولايات المتحدة الأميركية.

صحفي وكاتب مصري مقيم في لندن

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن