تكتسب زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد أهمية مضافة لأهميتها التي برزت من خلال الملفات التي جرى طرقها بين البلدين وفقاً للبيان الصادر عن «الوكالة العربية السورية للأنباء- سانا» الذي قال: إن المقداد شدد في حواراته مع المسؤولين السعوديين على «أهمية التنسيق والتشاور بين البلدين بما يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك، والتعاون على إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها منطقتنا العربية»، مع لحظ أن توقيت الزيارة كان قد جاء في ظل حال من «الستاتيكو» التي تشهدها عملية التسوية السياسية للأزمة السورية منذ نحو عام مضى على انطلاقة «المبادرة العربية» التي كانت المملكة العربية السعودية ركناً أساسياً في صياغتها، وفي انطلاقتها، ومن المؤكد هو أن تلك المبادرة كانت قد حظيت بما يشبه الغطاء الدولي قياساً للموقفين اللذين اتخذتهما منها كل من موسكو وواشنطن على انفراد.
الأهمية المضافة المذكورة تتأتى من أن الزيارة جاءت بعد نحو خمسة أسابيع على تمرير «مجلس النواب الأميركي» لمشروع قانون «مناهضة التطبيع مع الحكومة السورية» الذي جرى تمريره يوم الـ5 من شباط المنصرم بأغلبية لافتة نظراً لكونها كانت عابرة للحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين اللذين أيداه بقوة، ما يعطي مؤشراً قوياً، هو الآخر، على مرور منتظر لذلك المشروع في «مجلس الشيوخ» خلال عرضه عليه الذي سيجري، على الأرجح، في غضون فترة لا تزيد على الثلاثة أشهر، وبهذا المعنى فإن من الممكن وضع الزيارة في سياق محاولات «التفلت» من القبضة الأميركية الذي سارعت إليها دول إقليمية عدة ما بعد الـ24 من شباط 2022 الذي شهد انطلاقة «العملية الروسية الخاصة» في أوكرانيا، ولعل الأبرز منها، أي من تلك الدول، كانت السعودية التي سجلت محطة لافتة في هذا السياق كانت قد تمظهرت خلال التصويت الذي أجرته منظمة «أوبك – بلس» يوم الـ5 من تشرين أول من هذا العام الأخير، والذي جاء الموقف السعودي فيه معارضاً لـ«الإملاء» الأميركي آنذاك، والقاضي برفع سقف الإنتاج طلباً لـ«استقرار» أسعار النفط، الذي يعني وفق المفهوم الأميركي انخفاضه بما يتلاءم مع احتياجات السوق الأميركية.
تناولت محادثات المقداد مع المسؤولين السعوديين الذين التقاهم، وفقاً لبيان «سانا» آنف الذكر، ملفات عدة كان من أبرزها الملف الفلسطيني والحرب الدائرة في غزة، ووفق البيان ناقش الطرفان «الملف الفلسطيني والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون» جنباً إلى جنب «الحصار الخانق وعمليات التهجير الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي»، كما تناولت المحادثات ملف الحج الذي سبق لوزارة الأوقاف السورية أن أعلنت، شهر كانون ثاني المنصرم، عن عودته للحكومة السورية بعد سنوات عشر كان فيها بيد «الائتلاف المعارض»، والفعل من حيث مضامينه يمثل فعلاً «سيادياً» وهو يساعد في تثبيت أركان الدولة السورية وبسط سيادتها التي تلعب، ملفات كهذه، دوراً إسنادياً في ذينك الملفين.
وفق المعطيات السابقة الواردة أعلاه فإن الرياض، عبر استضافتها للمقداد، كانت بوارد إرسال العديد من الإشارات نحو العديد من صناديق البريد، منها أن الرياض داعمة للاستقرار السوري ولبسط الدولة السورية سيادتها على أراضيها، وتلك رسالة عامة موجهة نحو «صناديق البريد» الداخلية والإقليمية والدولية، ومنها أنها ترى أن الدور السوري لا يزال محورياً في المنطقة وأن لا مصلحة عربية تكمن في محاولات ضرب ذلك الدور أو تهميشه، وتلك رسالة موجهة بالتأكيد للدول التي بقيت عند رهاناتها السابقة الساعية لعزل سورية ومحاصرتها، ولربما كان الأهم منها، أي من تلك الرسائل، هي تلك الموجهة لواشنطن التي لا تزال مصرة على اجتراح العديد من أساليب الضغط على حكومة دمشق سبيلاً لتطويع مواقفها في قضايا ومسائل عديدة، والرسالة هنا، المتجهة صوب صندوق البريد الأميركي، تريد القول إن الرياض لا علاقة لها بما أقره «مجلس النواب» الأميركي بالأمس، ولا بما يمكن أن يقره «مجلس الشيوخ» الأميركي غداً.
ثمة مؤشرات عديدة تشير إلى أن الرياض تريد كسر الجمود السياسي الحاصل في مسار التسوية السورية المفترضة سبيلاً تراه كفيلاً بذر الذرائع التي يتمترس وراءها كثيرون بهدف ضرب الاستقرار والعودة بالوضع السوري إلى ما كان عليه سني الأزمة الأولى التي بلغت هذه الأيام «ربيعها» الثالث عشر، ولربما كانت لديها مقترحات جديدة بشأن التعاطي مع هذا الملف الذي سيكون مطروحاً في دمشق هذا الأسبوع عندما تستقبل الأخيرة المبعوث الأممي لحل «أزمتها» غير بيدرسون، وعلى الرغم من أن مواقف هذا الأخير بدت شديدة «الانزياح» صوب المواقف الأميركية خصوصاً خلال العام المنصرم وما تلاه، إلا أن الرياض، كما يبدو، ترى وجوب التعاطي مع المبعوث الأممي بـ«مرونة» أكبر تحت سقف الثوابت الوطنية السورية التي تريد الرياض، من دون شك، المحافظة عليها ولا ترى أن ثمة أفقاً ناجحاً لسياسات تريد القفز فوقها.
كاتب سوري