من دفتر الوطن

أقوال.. وحكم تنقرض!

| عصام داري

ليست الديناصورات وحدها التي انقرضت، بل بعض القيم والمثل والأخلاق.

وإذا كنا نردد أحياناً بعض الحكم والأقوال المأثورة صار لزاماً علينا إضافة كلمتين بعد هذا الأمر هما«كان زمان» بالإذن من السيدة أم كلثوم.

وأنا هنا سأشير إلى بعض تلك الحكم والأقوال المأثورة التي انقرضت، أو هي في طريقها إلى الانقراض.

فعلى سبيل المثال نقول: من غشنا فليس منا، وهناك من يقول: إن هذه الحكمة هي حديث شريف، لكن، هل فعلاً هذا القول أو الحكمة تعكس الواقع؟

اليوم تبدلت الحكمة، وخاصة في شهر رمضان المبارك، فصارت: من لم يغش.. فليس منا، فالغش هو سيد الموقف، وقد أبلغني صاحب دكان شريف أن الغش كان بنوع المادة الغذائية المنتجة، لكن من دون التسبب بأي أذى، أما اليوم فلا يهم، فالغش أصبح يسبب أعراضاً مرضية خطيرة ويمكن أن يؤدي إلى الموت!.

الساكت عن الحق شيطان أخرس، هكذا تقول الحكمة، وعلينا إجراء إحصاء دقيق لمعرفة العدد الحقيقي للشياطين من حولنا، وهو عدد مرعب!.

وتقول حكمة أخرى: من لم يقنع باليسير لم يكتفِ بالكثير، فهل هناك في مجتمعنا من يقنع بالقليل إلا الفقير؟ واللصوص لم يشبعوا بعد، ولن يشبعوا أبداً، وهذا سر ازدياد عدد الفقراء في بلدي لأن اللصوص يسرقون اللقمة من أفواههم.

حكمة جميلة جداً لها أكثر من قصة ورواية تقول: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون، زرع أجدادنا فأكلنا، وقطع أبناء جيلنا فسيجوع أحفادنا.

المشكلة أن حب تملك الأرض والبيوت والقصور والفيلات تحول إلى جشع قاتل ومنافسة شرسة بين ناس، وناس، وفهمكم يكفي، لذا ابتكر الجشعون أساليب شيطانية لبناء القصور المنيفة على أنقاض الشجر والحراج منها القطع والحرق وإغراق الأماكن المنوي إقامة قصر عليها بالمازوت أو الفيول وغير ذلك، صحيح صار لدينا قصور شامخة مع مسابح وغير ذلك من مكملات، لكن الأصح أننا فقدنا الكثير من غاباتنا وغوطتنا، واستبدلنا حكمة: ازرع ولا تقطع «بحكمة» اقطع ولا تزرع ولا بأس أن يموت الأحفاد جوعاً.

وماذا عن مقولة الجار قبل الدار؟ هل هناك مراعاة لحقوق الجيران، أم إن هذه الحكمة انقرضت هي الأخرى؟.

إذا استثنينا القرى التي مازالت تحافظ على علاقات الجوار الطيبة، فإننا في المدن نفتقد هذه الخاصية إلى حد كبير، فسكان العمارات أو البنايات، قد لا يعرفون جيرانهم، وحتى لو عرفوا بعض الجوار فهم لا يعرفون أسماءهم وأعمالهم وطبعاً مشاكلهم وهمومهم، بحجة أن كل مواطن عنده ما يكفي من الهموم والمشاكل.

في رمضان المبارك كانت العلاقات أكثر حميمية بين الجوار، وكان الناس يتزاورون ويسهرون معاً، و«يسكبون» أطباقاً من طعامهم ليشاركهم الجار فيه، فهل انقرض ذلك إلى الأبد، وهل الأوضاع الاقتصادية المتردية للأغلبية العظمى من الناس حالت دون استمرار هذه العادات الحلوة بين بني البشر؟

لو فكرتم قليلاً وسألتم أنفسكم ما الحكم والأقوال المأثورة التي انقرضت من حياتنا فستجدون الكثير منها وربما تندمون عليها، أما أنا فقد اكتفيت بما دونته في هذه المساحة المحدودة، وأعدت قراءة ما كتبت فضحكت، هل تعلمون لماذا؟

لأن شر البلية ما يضحك، وبهذه الحكمة أنهي كلامي وأنا أضحك من المصيبة التي نعيشها فصولاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن