قضايا وآراء

بين بايدن ونتنياهو.. شقاق أم نفاق؟

| هديل محي الدين علي

في مقاربات العلاقة الأميركية مع الكيان الصهيوني وعلى مدى عقود من الزمن، لا يمكن الجزم بتسلل الخلاف بين مديري الإدارة الأميركية وقادة الاحتلال، وخاصة أن واشنطن ترى في إسرائيل ولاية متقدمة تابعة لها من الضروري حمايتها وصون مصالحها، وأي خلاف يطفو على السطح بين الطرفين مهما بدا حاداً، تشير الوقائع في مآلاته إلى المثل الذي يقول «الكلب لا يعض ذنبه».

لذلك فإن مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن المتمثلة في قيام الجيش الأميركي ببناء ميناء مؤقت في غزة لتوصيل إمدادات الإغاثة لحل مشكلة نقص الغذاء في قطاع غزة، ظاهرها إنساني يأخذه الرئيس الأميركي في «ميزان حسناته الانتخابية»، أما في تفاصيله فإنه يأخذ مساراً آخر يدخل في إعطاء رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو المزيد من الوقت لتصنيع نصر أو تحقيق إنجاز ميداني، وخاصة أن الميناء يحتاج مدة شهرين حتى يكون جاهزاً للعمل.

البروباغاندا الأميركية تسوِّق على عدم وجود خطوط حمراء لدى إدارة بايدن في علاقاتها مع إسرائيل إذا تجاهلت الأخيرة رغباتها، وهو ما جاء في صحيفة «ناشيونال إنترست» للكاتب غريغ بريدي الذي قال «إن المسؤولين الأميركيين شددوا على أنهم لا ينتظرون الإسرائيليين، أي إن الولايات المتحدة لا تطلب الإذن من إسرائيل بعد إخفاق نتنياهو في الاستجابة لطلبات الإدارة مراراً وتكراراً، وإذا بقي نتنياهو متشدداً في موقفه فقد يتطلب ذلك مزيداً من الضغط من الإدارة ووضع شروط على الإمدادات الأميركية».

الشكوك بالنيات الأميركية من وراء الميناء أتت بعد اكتفائها بنصيحة جيش الاحتلال بعدم اجتياح رفح وتصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين لصحيفة «بوليتيكو»، أن الولايات المتحدة ستفكر في فرض شروط على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل في حالة تحدي إسرائيل للبيت الأبيض في رفح، وكل ذلك بلا جدوى وليس له مكان سوى الضجيج الإعلامي إذا شنت إسرائيل تلك العملية العسكرية بوجود أكثر من مليون نازح فلسطيني هناك.

الكاتب الروسي إيغور سوبوتين قال في صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا»، إن إسرائيل حذرت الولايات المتحدة من التدخل في شؤونها الداخلية، وذلك بسبب تقرير مجتمع الاستخبارات الأميركية حول التهديدات في مجال الأمن القومي، الذي يتوقع رحيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وانهيار ائتلافه الحاكم نتيجة للحرب في غزة، مضيفاً: إن مسؤولين إسرائيليين قالوا إن مثل هذه التصريحات بخصوص نتنياهو وحكومته لا يمكن إلا أن يكون قد تم الاتفاق عليها على أعلى المستويات.

كل التحليلات السياسية أقرت أن مصادقة حكومة نتنياهو على الخطة العسكرية لاقتحام مدينة رفح هو تصريح تفاوضي، وخاصة أنه جاء بموازاة إعلان حركة حماس رسمياً تقديمها رداً بشأن الإطار العام لإبرام صفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل، وخريطة طريق من ثلاث مراحل لوقف الحرب على غزة، لأن المصادقة الإسرائيلية لخطة اقتحام رفح تبعها قرار يناقض المضمون ويوسع مروحة المراوغة، وهو قرار توسيع صلاحيات الوفد الإسرائيلي المفاوض.

في الختام نورد ما جاء به مصدر لموقع «أكسيوس» من أن واشنطن قد توافق على فرض عقوبات في المجال الدبلوماسي في حال اقتحام رفح، منها أن يوافق الجانب الأميركي على دعم قرار بمجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في منطقة الصراع، علماً أن الولايات المتحدة استخدمت منذ بداية الأعمال القتالية النشطة في قطاع غزة حق النقض ضد مثل هذه المبادرات ثلاث مرات، وشدد مصدر «أكسيوس» على أن نتنياهو «إذا قرر تحدي بايدن والقيام بمثل هذه العملية، فسيؤدي ذلك إلى مواجهة» ولابد هنا للمشهد أن يرى بصورته الكاملة وطرح كل الاحتمالات في خضم خلافات الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وشقاق بايدن ونتنياهو أو اتفاقهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن