قضايا وآراء

وثيقة إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية أحبطتها غزة

| تحسين حلبي

أعلن المنسق الخاص في الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند، في 18 تشرين الأول الماضي من الدوحة أنه «يخشى أن يكون العالم على حافة هاوية عميقة وخطيرة يمكن أن تغير مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إن لم يكن مسار الشرق الأوسط برمته»، وفي 28 من شهر تشرين الأول الماضي نفسه، أي بعد عشرين يوماً من حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ظهرت في المجلة الإلكترونية الإسرائيلية «ميكوميت» وثيقة عرضها الصحفي الإسرائيلي، يوفال أبراهام، بعنوان «الوثيقة الكاملة التي أعدتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية: احتلال القطاع والترحيل الشامل لسكانه»، في عشر صفحات، جاء فيها أن هذه الوزارة التي تتولى مهامها، غيلا غامليئيل، وهي من قادة الليكود «توصي بإجراء ترحيل قسري بالقوة العسكرية إلى خارج القطاع بشكل دائم وتوظيف المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة للمشاركة في هذا الاجراء»، وجاء على لسان الوزيرة، غامليئيل، «إن فرض تهجير مكثف للسكان من مناطق القتال هي نتيجة طبيعية ومطلوبة»، وحددت الوثيقة «تهجير الفلسطينيين بالشكل الدائم إلى ثلاثة أماكن بديلة من بينها منطقة شمال سيناء حيث يجب إقامة خيم ومدن جديدة فيها وإعداد منطقة كوريدور-عازلة بعرض عدة كيلومترات داخل الأراضي المصرية لمنع العمليات عبر حدود إسرائيل أو الاقتراب منها».

ووضعت الوثيقة مخططاً للتنفيذ من ثلاث مراحل الأولى «القيام بعمليات قصف جوي في شمال القطاع تفرض على السكان التوجه نحو جنوبه، والمرحلة الثانية تبدأ بالاجتياح البري واحتلال أراضي القطاع كله حتى رفح وتطهيره من الأنفاق والمقاتلين»، واعتقد المخططون أن يفر سكان القطاع إلى أراض وراء حدود القطاع ولذلك جاء في المخطط: «يجب مطالبة الولايات المتحدة بإجبار مصر على استيعاب الفلسطينيين عبر أراضيها خلف مدينة رفح الفلسطينية والاستعانة بكندا ودول أوروبية من بينها اليونان وإسبانيا لنقل الفلسطينيين إلى أراضيها واستيعابهم فيها».

وتشير مجلة «ميكوميت» إلى أن هذه الوثيقة حدد تاريخها في 13 تشرين الأول الماضي، أي بعد ستة أيام من عملية طوفان الأقصى، وكان الموقع الإلكتروني لـ«معهد أبحاث ميسجاف» الإسرائيلي الذي يديره، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، مائير بن شابات، قد نشرها قبل 18 تشرين الأول بأيام في صفحة «تويتير» ثم قام بمحوها منه بعد أن أثارت ردود فعل دولية حادة، ثم ظهرت بعد ذلك في صفحة تواصل اجتماعي تضم مجموعة من قادة المستوطنين اليمينيين في «واتس أب» لدعوتهم إلى الاستعداد للاستيطان في القطاع بعد تنفيذ هذا المخطط، واعتمدت الخطة بمجملها على قيام الولايات المتحدة بدور مركزي في ممارسة الضغوط على عدد من دول المنطقة مثل تركيا وقطر ومصر لإخراج هذه الخطة وتحويلها إلى واقع يجعل القطاع شبه فارغ من السكان الفلسطينيين وتحويل من بقي فيه إلى شبه أقلية أمام عدد متزايد من المستوطنين.

يشير أصحاب هذه الوثيقة إلى «ضرورة منع السلطة الفلسطينية من الحصول على أي دور في القطاع لأن الخطة نفسها تؤكد ضرورة تشديد الفصل بين القطاع والضفة الغربية لأن هذا الانقسام هو أهم عامل يمنع إنشاء دولة فلسطينية لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة»، كما تؤكد الخطة على عدم وجود أي فائدة إسرائيلية من إيجاد أي سلطة سياسية فلسطينية بديلة عن حماس في القطاع وبخاصة بسبب عدم وجود بنية أو كتلة معارضة لحماس داخل القطاع، بل سيصعب تشكيلها بعد هذه الحرب وما ستحمله من نتائج على الأرض».

هذه الوثيقة ظهرت تفاصيلها الملموسة وأهدافها بشكل واضح طوال العمليات العسكرية الإسرائيلية من الأسبوع الأول بعد السابع من تشرين الأول الماضي، وبعد ظهور هذه الوثيقة في وسائل الإعلام بعد عشرة أيام من عملية «طوفان الأقصى»، لا يمكن لأحد أن يشك بأن زيارة الرئيس الأميركي وموظفين كبار من وزارة الدفاع الأميركية ورؤساء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى تل أبيب في تلك الأيام الأولى نفسها للحرب، كان هدفها الإشراف والمشاركة على تنفيذ هذا المخطط لقطاع غزة وللمنطقة كلها لو تحقق النجاح لها، ولا أحد يمكنه الشك بأن المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني في القطاع، شكل أهم عامل حاسم أحبط هذه الخطة رغم ستة أشهر من المعارك بين قوات الاحتلال وبين المقاتلين في المقاومة، ورغم ذلك العدد الكبير من الضحايا، فلم يتزحزح الشعب الفلسطيني متراً واحداً خارج مدينته الصامدة رفح وبقيت مصر ترفض مخطط التهجير إلى أراضيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن