ثقافة وفن

كفاح الخوص في مواجهة الاستعمار الفرنسي إلى جانب تيم حسن … بعد غيابه العام الفائت… عاد ليقول كلمته من خلال «تاج»

| مصعب أيوب

شكل مسلسل «تاج» محط أنظار الجمهور السوري منذ انطلاق عرضه بداية الشهر الفضيل ليكون ملحمة درامية تاريخية تحكي عن الحرب والمقاومة والحركات الشعبية الرافضة للوجود الفرنسي في البلاد، وقد أشاد الجمهور بأداء جميع من صنعه، فبعد أن نجح المسلسل في نقل صورة حقيقية وشفافة ولوحات بصرية ممتعة عن مدينة دمشق أربعينيات القرن الماضي، كان لا بد من الإشادة بالأداء المتميز والمبهر لبعض الفنانين.

صمود وتحدٍّ

ولأن فكرة العمل هي مقاومة الاحتلال الفرنسي ودحره، ولاسيما أنها حاضرة في أعمال البيئة الشامية بشكل مكثف، فقد أخذ القائمين على إنتاج العمل مهمة الاهتمام بأدق التفاصيل على عاتقهم، والاستعانة بمن يؤدون هذه المهمة بشكل ناجح ومميز، لكي لا يمر العمل مرور الكرام ويبقى راسخاً لأطول وقت في ذهن المشاهد، فعاد العمل بشخصيات فنية محبوبة وصاحبة حضور لطيف على الشاشة الصغيرة، وتم الاستعانة بأكفأ الفنيين والفنانين، ولعل من أبرزهم الفنان كفاح الخوص الذي على الرغم من قلة مشاركاته وظهوره الدرامي مقارنة بأقرانه، إلا أنه استطاع خلال الموسم الدرامي الحالي أن يكون محط أنظار الجميع بداية من صناع الدراما ونهاية بالمشاهدين، بعد أن لفت الأنظار إليه بمشاهد قوية ومميزة وحقق التوازن قدر الإمكان منذ الحلقات الأولى للعمل.

صوت ذهبي

فهو صحفي مثقف تربى على الشجاعة والمواجهة والتحدي، وبرغم عدم مهارته القتالية أو الهجومية إلا أنه يتمتع بذكاء حاد ودهاء كبير، لا يقبل بالرضوخ للظلم ولم يتوان عن مساندة الدمشقيين ونصرتهم، وهو عون أساسي ورئيسي لبطل العمل تيم حسن الذي يؤدي دور تاج الدين الحمال الملاكم الثائر ضد الاحتلال الفرنسي، وبذلك تلتقي مصالحه بمصالح الصحفي سليم الذي يجيد الفرنسية ويخوض بصحبته الكثير من المعتركات ويغامر هنا وهناك مخادعاً وإياه الجنود الفرنسيين بأنه منهم بعد التنكر بملابسهم، فغايتهما الأولى حماية الأرض والعرض واسترداد الحقوق المغتصبة، وعليه فإنهما مستعدان لتقديم كل نفيس في سبيل ذلك.

فيفتتح الخوص حلقات العمل بصوته الذهبي مخبراً بموجز سريع عن خفايا العمل وخطوطه العريضة والفترة الزمنية التي تدور خلالها الأحداث، ليدخل من خلال صوته إلى عمق العمل قبل جسده، فينساب بسلاسة وتشعر وكأنك تألفه، ولعلها فرصة مواتية للخوص وإن تأخرت بعض الشيء، ولكن من المتوقع أن يكون دوراً مهماً في مسيرة الخوص وسيقترن به.

أداء مقنع وممتع

مع تعدد أدواره عمل على إسباغ كل منها مشاعر حقيقية وإكسابها واقعية ساعده في ذلك تفاصيله وحدة ملامحه التي تبرز القصة بجدية وواقعية، يدخل كفاح الخوص آفاقاً واسعة في مسلسل تاج أمام عدسة المخرج سامر البرقاوي، فهو يرسم الشخصية ويعد بالمزيد، فيثبت حضوره الدرامي لهذا العام قادماً من بوابة المقاومة بقلمه وثقافته ويؤكد بأنه فنان قل مثيله.

يقنع الخوص المشاهد أنه حقاً ابن الأرض وأنه مرتبط بكل شبر منها وتربطه بها صلة وثيقة وأن عليه مواجهة المستعمر بأظافره، فيسخر كل إمكاناته لخدمة الدور ويذهب به حتى النخاع، فتميز في شخصية سليم بالشكل والمضمون، لأنه يمتلك خبرات متعددة بين المسرح والتلفزيون ليعرف ما يريد وماذا سيقدم، فقد زوّد الشخصية بأدوات الإقناع المناسبة لتصل للمشاهد ببساطة بخيرها وشرها، واستطاع أن يخبر الجمهور بما يدور في نفس سليم من نظرات عينيه ومن حركات يديه ومن حنكته وسرعة بديهته وحتى انفعالاته وغضبه.

فنان من طينة خاصة

أحداث كثيرة تتالت جعلت من سليم شخصاً يخوض صراعات عديدة ولاسيما بعد أن زج به بالسجن عقب بعض محاولات الوصول إلى سجلات وأوراق رسمية لدى السلطات الفرنسية بالتعاون مع تاج، ليقوم تاج بدوره بتسخير كل ما يستطيع لتخليصه من هذا المأزق وإخراجه من السجن، وقد نسق بالتعاون مع بعض الأصدقاء لإيقاع أحد ضباط الداخلية في شباك إحدى الفتيات وتدبير ليلة حمراء بصحبتها وتصويره وابتزازه من أجل إخراج سليم من سجنه، وهو ما ترتب عليه جنون الضابط ومحاولة قتل سليم، إلا أن الخوص لم يرض بأن يمر المشهد مرور الكرام وأبى إلا أن يترك أثراً لدى المشاهد فكان أن أُضيف للمشهد ردود أفعال معينة تعكس شدة خوفه وذعره من غضب الضابط، ليثبت الخوص أنه فنان من طينة خاصة، لا يقبل بتأدية دوره فحسب، بل يلبس الشخصية كما يلبس الثياب ويعيشها بكل تفاصيلها وإيجابياتها وسلبياتها.

كما عرف الجمهور كفاح الخوص في أعمال فنية عديدة أهمها في التلفزيون كان بدايتها في الزير سالم وتلاها عن الخوف والعزلة وليس سراباً وشاء الهوى وبيع قرطبة، وفي المسرح كان له مشاركات عديدة أيضاً منها الرهان والعميان وتيامو والأيام المخمورة ومؤتمر هاملت والكثير، علاوة على أنه ألف نصوصاً مسرحية عدة منها حكاية علاء الدين ودونكيشوت إضافة إلى أنه شارك في إخراج بعض الأعمال المسرحية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن