انتهى «الثلاثاء الكبير» بفوز جو بايدن ودونالد ترامب ليمثل كل منهما حزبه في الانتخابات الرئاسية الخريف القادم، وكانت معركة الانتخابات التمهيدية (الحزبية) فريدة من نوعها ربما في تاريخ الولايات، أقله بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد اعتاد الأميركيون دائماً على تنافس بين قوييْن، لكن أحدهما أكثر قوة من الآخر، وأول انتخابات من هذا النوع كانت عام 1952 بين الديمقراطي هاري ترومان والجمهوري دوايت آيزنهاور، وكان الفرق بين الرجلين مهماً على الرغم من قوة كل منهما، فآيزنهاور قائد قوات الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وكان بطلاً في عيون المواطن الأميركي العادي، بالمقابل كان ترومان إشكالياً بسبب إلقائه قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، كان من الواضح أن آيزنهاور يتمتع بأفضلية جيدة في السباق نحو المكتب البيضوي في البيت الأبيض.
حكم آيزنهاور دورتين (1952-1960) وكان من أهم الرؤساء في تاريخ أميركا بعد فرانكلين روزفيلت الديمقراطي الذي تم انتخابه أربع مرات حيث لم يحدد الدستور عندها عدد الدورات للرئيس، فقد جاء تعديل الدستور ليحدد الرئاسة بدورتين فقط بعد موت روزفيلت في 1945.
المنافسة التالية عام 1960 أيضاً كانت بين مرشحين قوييْن، لكن المرشح الديمقراطي جون كندي كان أقوى من منافسه الجمهوري ريتشارد نيكسون، وقال أحد الناخبين «كيف يتجرأ نيكسون، قبيح الوجه، أن ينافس كندي الجميل»؟ فاز كندي على الرغم من أنه كان كاثوليكياً في حين جرت العادة أن الفائز دائماً يكون بروتستانت إنجليكان.
التنافس الشديد بين نيكسون وهمفري أفرز فوزاً جيداً للجمهوري نيكسون بعد انهيار شعبية الديمقراطيين بسبب غباء الرئيس ليندون جونسن وإشعاله حرب فيتنام التي أذلت أميركا والتهمت عشرات الآلاف من أرواح الشباب الأميركي.
ويبدو أن الديمقراطي ليندون جونسون أساء لسمعة حزبه بشكل واضح لأن المرشح الديمقراطي جيمي كارتر لم يحكم سوى دورة واحدة (1977-1981)، ثم جاء بعده الجمهوري رونالد ريغان الذي شهد سقوط الاتحاد السوفييتي مع الجمهوري الذي جاء بعده جورج بوش الأب.
الرئيس كلينتون أول رئيس ديمقراطي يحكم دورتين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في حين كان الرئيس بوش الأب أول رئيس جمهوري يحكم دورة واحدة فقط في الفترة نفسها، ثم تلاه الجمهوري دونالد ترامب في هذه الهزيمة المخجلة.
هذه مجرد أمثلة على الطبيعة الشخصية للتنافس الرئاسي حيث تلعب عوامل كثيرة في تكوين صورة عن المرشحين، وما نراه اليوم في أميركا حالة فريدة، إذ إن التنافس بيْن ضعيفيْن وليس بين قوي وأقل قوة، والشيء الغريب أن الضعيف في هذه المعركة يستمد قوته من الضعيف المنافس، فبايدن سعيد لأن منافسه ضعيف، وترامب سعيد لأن منافسه ضعيف، إنها صورة ساخرة لعبث السياسة ولعبة الديمقراطية.
كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة