قضايا وآراء

بيدرسون.. ومفهوم «الميسّر محايد»

| منذر عيد

برز مؤخراً إصرار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون على عقد الجلسة التاسعة للجنة الدستورية في جنيف على الرغم من تأكيد موسكو أن سويسرا لم تعد مكانا محايدا لاستضافة مثل هكذا جلسات، ليتزامن ذلك مع إصدار كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بياناً يتضمن سلسلة من الشروط المسبقة على عملية تمويل إعادة الإعمار في سورية ورفع العقوبات، وسلسلة من التهم والادعاءات الباطلة للتغطية على ما ارتكبته تلك الدول من انتهاكات بحق الإنسانية والقانون الدولي طوال 13 سنة من عمر الحرب الإرهابية التي دعموها على سورية.

في مقاربة بين الموضوعين أو الحدثين، فإن ثمة تناقضاً كبيراً بين مساعي المبعوث الخاص «الظاهرية» لحل الأزمة، وتصريحات الطرف الآخر المسبب لها في عدم نيته التوصل إلى ذاك الحل، لتبرز عدة أسئلة حول نيات بيدرسون إزاء عقد «الدستورية» وهي، هل المشكلة تكمن في انعقاد اللجنة من عدمه، وهل انتهاء معاناة السوريين يتوقف على ذلك، أم هناك جملة من الأمور أقر بيدرسون سابقا ببعض منها لإنهاء ما يكابده الشعب السوري، وما السبب في إصراره على تحديد موعد الجلسة، رغم معرفته المسبقة برفض موسكو للمكان؟

في محاولة للإجابة عن بعض تلك الأسئلة، فإن مسألة «اللجنة الدستورية» ليس هو الحل النهائي، إن كان ثمة حل فيها، خاصة وإن موضوع إعادة صياغة الدستور السوري، وما يمكن أن يتضمنه من تفاصيل للحياة السياسية المستقبلية في سورية، ليس خلف الباب وإن تم إقراره من اللجنة، فالموضوع بيد الشعب العربي السوري، وهو من سيقول كلمته الفيصل في ذلك عبر استفتاء، بمعنى من المرجح أن يرفض الشعب ما أنتجته اللجنة، الأمر الذي يعيد الأمور إلى مربعها الأول في هذا الإطار، ليؤكد ذلك أن الحل ليس في «الدستورية» ولا في نتائجها، بل في سلسلة من الأمور الميدانية العملياتية، وعلى بيدرسون الذهاب نحوها.

إصرار بيدرسون على التحول من «ميسّر محايد» إلى طرف بالأزمة في سورية، وتحديده موعد انعقاد «الدستورية» في نيسان المقبل، وبشكل منفرد دون تنسيق مع الأطراف المعنية، يؤكد أنه يسير على طريق واشنطن والغرب، ويتبنى الخيار الأميركي بعيداً عما يمتلكه من صلاحيات، وذلك بهدف إحراج روسيا وإظهارها بموقف الرافض هي ودمشق لإجراء هذه المحادثات، حيث لا يمكن تجاهل ما تضمنه بيان الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من نيات خبيثة بقولهم «نرحب بإعلان المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسون عن عقد اجتماع للجنة الدستورية في نيسان في جنيف ونحث كافة الأطراف على قبول الدعوة والانخراط بجدية في عمل اللجنة»، خاصة وأن بيدرسون يعي جيداً وقد اعترف سابقا في أن حل معاناة السوريين ليست في «دروج» جنيف، بل في إنهاء الاحتلال لأراض سورية، ووقف سرقة خيراتها، ووقف الدول الداعمة للإرهاب عن تمويلها التنظيمات الإرهابية، والحركات الانفصالية، الأمر الذي شدد عليه بيدرسون خلال افتتاح أعمال النسخة 21 لمنتدى الدوحة في العاشر من كانون الأول الماضي: «من أجل التسوية في سورية يجب طرح عدد من القضايا، من بينها مسألة انسحاب القوات التركية والأميركية، ومسألة الوحدات الكردية والعقوبات».

إذا ما تم النظر إلى إصرار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة على عقد اجتماع «الدستورية» عله يصل من خلالها إلى حل معاناة السوريين، من باب النيات الحسنة، فعليه البحث عن بديل عن جنيف، ومن المفترض التريث ريثما يتم التوافق على مكان جديد، خاصة وأن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين قال في الخامس عشر من الشهر الجاري: «نحن الآن نبحث عن فرصة لمواصلة الحوار بين السوريين بمساعدة نشيطة من البلدان المشاركة في صيغة أستانا، علماً أن الحوار كان في السابق يجري في جنيف، والآن فقدت سويسرا إلى حد كبير وضعها المحايد، وهو أمر ضروري لتنفيذ المبادرات الدولية»، مشيراً إلى استمرار البحث عن اختيار مكان آخر.

جنوح بيدرسون إلى العمل السياسي كخطوة في مسار حل الأزمة، يجب أن يترافق مع العمل على جبهات رئيسية أخرى تشكل بما تتخذه الدول المتخندقة على تلك الجبهة من أفعال سببا في معاناة السوريين، وعلى المبعوث الأممي التوجه إلى تلك الدول، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا سلسلة من الشروط ضد الحكومة السورية، تعكس في مجملها تدخل تلك الدول الاستعمارية في شؤون سورية، وتعرقل جهود الحكومة السورية في إعادة اللاجئين، وإعادة الإعمار، والقضاء على الإرهاب، الأمر الذي أكدت عليه وزارة الخارجية والمغتربين بقولها: «إن ادعاء حكومات البلدان الأربعة بأن جهودها تتركز على إنهاء معاناة السوريين، ما هو إلا نفاق سياسي وانحطاط أخلاقي يهدف إلى التغطية على الآثار الكارثية للتدابير القسرية اللاشرعية المفروضة على الشعب السوري، والتي شملت جميع مناحي حياة السوريين، وأعاقت بشكل كبير مشاريع التعافي المبكر الضرورية لتعزيز صمود السوريين، وإتاحة عودة المهجرين السوريين إلى مناطقهم الأصلية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن