يوم 27 شباط المنصرم قدم المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، والأمر تقليد ملزم يأتي في صلب مهمته حيث يجب عليه تقديم إحاطة دورية تتناول آخر المستجدات جنباً إلى جنب آخر الاتصالات التي أجراها على صعيد جهوده الرامية لدفع عربة التسوية التي تعطلت «محركاتها»، القادرة على الدفع، منذ نحو عامين لم يعد هناك شيء صالح فيها سوى المكابح، ومما جاء على لسان بيدرسون في إحاطته تلك «لقد اتخذت قراراً بإصدار الدعوات الرسمية لعقد الدورة التاسعة في جنيف نهاية شهر نيسان المقبل، وسأقوم بتوجيه تلك الدعوات اليوم»، ثم أضاف «أناشد اليوم الأطراف السورية أن تستجيب بشكل إيجابي، كما أناشد الأطراف الدولية الرئيسية لدعم جهود الأمم المتحدة كميسر، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين»، قبيل أن يتابع القول إنه «طرح عقد الجولة المقبلة في نيروبي، العاصمة الكينية، لكن لم يكن هناك توافق بين السوريين بشأنها» ولذا فقد قام «بنقل اقتراح آخر من طرف سوري إلى الطرف الثاني (الذي يجب أن يكون سورية بالتأكيد) بشأن عاصمة إقليمية بديلة، لكن لم يتم التوصل إلى توافق حول الاقتراحات السابقة».
الاستشهاد الطويل بمقاطع وردت في إحاطة بيدرسون آنفة الذكر أمام مجلس الأمن مبرر، وهو ضروري لفهم ما يدور في ذهنية الرجل الذي أبدى قدرة لافتة على الصمود في منصبه كما لم يتهيأ لأحد من أسلافه، وضروري أيضاً لفهم كيف يعاير «الثابت والمتحول» في المعطيات المتوافرة بين يديه، كما هو ضروري، أخيراً، للوصول إلى الاستنتاجات التي نريد الوصول إليها تالياً.
أن تنعدم فرص التلاقي حول مكان جديد لعقد الجولة المقبلة من اجتماعات «اللجنة الدستورية» لا تعني أن الحل لـ«معضلة» كهذه تكمن في العودة إلى الخيار القديم، جنيف، التي احتضنت ثماني جولات سابقة، وخصوصاً أن موسكو مضت، وأيدتها دمشق، نحو تثبيت موقفها المعلن منذ حزيران 2022، والرافض لعودة تلك الجولات إلى «حضنها» القديم، الأمر الذي أكده نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين في تصريحات أدلى بها على هامش الدورة 67 للجنة الأمم المتحدة المعنية بملف المخدرات، حين قال «إن الحوار كان في السابق يجري في جنيف، والآن فقدت سويسرا إلى حد كبير وضعها المحايد، وهو أمر ضروري لتنفيذ المبادرات الدولية»، ولذا فإن فعلاً من نوع تحديد موعد، وتوجيه الدعوات، لا يمكن أن يكون له سوى معنى واحد هو إحراج دمشق ومعها موسكو سبيلاً إلى مضي، هو أبعد مدى مما سبق، في «انزياحاته» نحو الضفة الأميركية التي تشترط لقبول «الوافدين» إليها إشعارات «حسن نية» يجب ألا يكون قد مر عليها لأكثر من ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، وإلا كيف يمكن لنا فهم البيان الذي أصدره بيدرسون بمناسبة «الذكرى السنوية للصراع السوري»، والذي استبق به زيارته لدمشق يوم الأحد 17 آذار الجاري، وفيه سعى إلى تسويق حال الإحباط التي وصل إليها معبراً عن تشاؤمه جراء «انسداد آفاق الحل السياسي»، فالتشاؤم و«انسداد الآفاق» يجب ألا يدفعا بـ«الميسر» نحو سد ما تبقى مفتوحاً من تلك الآفاق على قلتها، والمؤكد هو أن ما قام به بيدرسون يندرج في سياق كهذا، ولا يمكن إدراجه تحت أي سياق آخر.
من الصعب فهم الدعوة التي وجهها بيدرسون لعقد جولة جديدة من اجتماعات «اللجنة الدستورية» أواخر شهر نيسان المقبل إلا كمحاولة لإحراج دمشق بالدرجة الأولى، أو لوضعها بصورة من يقوم بعرقلة مهمة المبعوث الأممي الذي يفترض فيه لعب دور «الميسر»، طبقاً للتوصيف الذي جرى استخدامه من الأمم المتحدة منذ أن جرى تعيين كوفي عنان كأول مبعوث أممي في سورية العام 2012، والمؤكد هنا أن المبعوث الرابع كان قد تجاوز، عبر قفزة 27 شباط الماضي، ذلك الدور انطلاقاً من قراءة لديه تقول إن واشنطن مقبلة على مرحلة تتزايد فيها ضغوطها على الحكومة السورية وكذا على الدول التي شهدت علاقاتها تقارباً معها منذ شهر أيار الماضي، الأمر الذي سيخلق رؤية عربية وإقليمية جديدة تجاه الأزمة السورية وسبل حلها.
قد يكون ما قاله مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدمشق أنور عبد الهادي، في أعقاب لقائه السفير الروسي، فيها، ألكسندر يفيموف، في معرض حديثه عن خطوة بيدرسون آنفة الذكر، التي نقصد بها هنا «فقرة» 27 شباط الماضي، هو خير توصيف لسلوكية هذا الأخير ولمراميه التي يسعى إليها من خلال زيارته الأخيرة لدمشق.
عبد الهادي قال: إن «بيدرسون خرج، بهذه الخطوة، من صلاحياته الكاملة، وهو لا يحق له اتخاذ القرار وتوجيه الدعوات».
كاتب سوري