من دفتر الوطن

آذار.. وأمي!

| فراس عزيز ديب

في الكتب المدرسية وفي النظرة المباشرة إلى تضاريس هضابنا وسهولنا الجميلة كان قدوم آذار كناية عن قدوم الربيع وما يحملهُ هذا اللفظ من معنى يفيد في التعبير عن الولادة الجديدة، واكتساء الطبيعة ألواناً متنوعة مع زهرات الثمار التي تعطي أملاً بالقادم، لكن حتى هذا الشهر ومعانيه تم تشويهه على أمل حذفهِ من ذاكرتنا!

قبلَ آذارهم المشؤوم، كان آذارنا بحراً من التفاؤل يضربُ بأمواجهِ شواطئ أمنياتنا ليُخرجَ إليها من أغوارهِ الدرَّ المكنون حيث يجب لمآلات أمنياتنا أن تكون.

قبلَ آذارهم المشؤوم، كان آذارنا عيدَ معلمٍ، وهل من عيدٍ أجمل من معايدةِ الذي علمنا حرفاً فبتنا نبحثُ في أسمائهم بعدادِ الجرحى والشهداء والمفقودين؟ خذوا ماشئتم من شعارات وأعيدوني إلى مقاعدِ الدراسة حيث كانَ أستاذ اللغة العربية الذي لن أنساه ما حييت يسألني مع كل موضوع تعبير:

هل ساعدك أحد إخوتك في كتابة الموضوع؟ كان يعرف إخوتي جميعاً لأنه كان أستاذهم، أعيدوه إلي بكل ما يحمله سؤاله من انعدام للثقة لأقف أمامه باحترام وأقسم له بأن أحداً لم يساعدني في كتابة حرفٍ من كل ما كتبت وأكتب وسأكتب!

قبلَ آذارهم المشؤوم كان آذارنا عيد النيروز، الأكراد إخوة لنا في الوطن، على مقاعد الدراسة، في الحي الذي كان يجمعنا على مباراة كرة قدم، كان «حقل الرمي» في حلب شاهداً دائماً على معاني النيروز، هل ستولد الطبيعة من جديد، من سيخلصنا من كل تلكَ الشوائب؟ يا لتلك الأيام التي كنا نظن فيها بأن شوائبنا بهذه الوضاعة. بقيت الذكريات وبقي منها الوطن الذي لاشك بأنه يتسع للجميع، ما أجمل الثقافات عندما تكون على هيئةِ وطن!

قبلَ آذارهم، كان آذارنا عيد أم، هل ما زلنا بانتظار هذا العيد وقد حوله أمعات هذا العصر إلى ذكرى للبكاء والألم، كان كل همنا كيف سنوفر من مصروفنا لشراءِ هديةٍ إليها بتنا نكتفي بالكتابة لأن الكلمات أحياناً قادرة أن توصل ما نريد وسط هذا الجحيم الذي لا ينتهي، ماذا أقول لأمي؟

تفتخرين بي أعرف لكن ليسَ بحجم افتخاري بكِ، عندما أحاول الكتابةَ إليها أُحاول انتقاء العبارات التي تفيها حقها ليس لأنها أمي فقط بل لأنها أم لشهيدين لكن مهلاً، كم عدد الأمهات اللواتي دفن أولادهن شهداء على مذبح حرية القادمين من خارج التاريخ؟ سأكتب إليهن جميعاً لأن كل حفيدةٍ لزنوبيا في هذا الوطن ربت فلذاتها على أن الوطن قبل الجميع هي أم وأخت سأكتب إليهن في عيدهن عبارةً بسيطة:

أراكن في دمعة الحزن التي تتلألأ من عيني أمي.. لأجلكن ولأجل صبركن.. سيعود آذارنا كما نحب..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن