ثقافة وفن

يا أمّي

| منال محمد يوسف

في البدء.. وقبل أن يزهو الزّمان بالطيبِ والألفة..

كانت الأم «أمّي» كانت تُمثل كلّ عناوين الطيبة.. وكنا نُلقي السّلام على وقتك يا أمّي.. ‏‏‏‏

على فيافي ظلّكِ القدسي ، ورهافة قمركِ المشتاق.. ‏‏‏‏

على دروبٍ كانت شائكة لولا عطر وردكِ، ولولا شموس ودّكِ الرحيم، لولا ذاك الشّوق إذ يشتاق بوارق زهركِ والرّحيق.. يشتاقُ بلاغة الطيبة وأنتِ سرمد وجهه الجميل، أنتِ ذاك الليل إذ استفاق نجمه الثاقب وجعله كالحقل البهيج.. ‏‏‏‏

ما أجملكِ يا أمّي.. والصبحُ يُشرقُ من أقحوان الدعاء عندما تتلفظين به.. والضّوء يحطَّ على أرجوحة قولك وما أجملك !.. ‏‏‏‏

وأنتِ تهدين الوقت سرّ الأسرار وعظمة الجمال المكنون إذ فاضَ. ‏‏‏‏

أنتِ حكاية أخرى من صبر الأيام.. وتراتيل من المجدِ إذ قُدّسَ وقته المعطاء، وانهمر قمحه من ثوب الزّمان الفضفاض.. ‏‏‏‏

كأنه وأنتِ يا «أمّي» الكوثر وأفياء ظلّه الأجمل، ومجدليات مُطّهرة من قبل التكوين، وأناشيد من مطرٍ أخضر دائم الحبِّ والمودّة وهائم الحنان، ما زال يمنحُ.. وتمنحين سر البقاء وبهجة الفصول.. وترسمين يا أمّي لغة تقدّسَ جمالها في ثنايا الرُّوح. ‏‏‏‏

تقدّسَ كغصن الندى إذ نادى: أنتِ أيتها «البتول».. يا من تسقين بالحبِّ والمحبة أبهى الشتول.. يا من تمدُّ يدها وتوزع القمح والبخور، وتنثر أناشيد الحبق على كلّ الدروب، تنثرها لغةً وفلسفات تأتي من ذاك المدّ القدسيّ.. من تأملات وهجها، من تأملات النور.. إذ شبّه بكِ والتقط وهج صبركِ.. التقط سرّ البقاء.. وأنبتَ الدهر في راحتكِ تواريخ النقاء.. ‏‏‏‏

أنبتَ سنبله الغض بين حروف قصيدة عصماء.. واستفاق كلّ فجرٍ على لحن صوتكِ، وأقام صلاة طوره من أجلكِ.. وأثمرَ الشجن من عندك نور العاطفة الأبدية.. وكأنه نوّارها الأزلي إذ حادثه الشوق يوماً.. ‏‏‏‏

وتدلّى الضّوء يُسربل أعنابها من صبركِ «يا ريحانة الحياة»..

أيتها الأم التي لم تنجب «طفل الزمن المشتهى».. أيتها الأم التي تُشبه «الأرض وتراتيل العطاء».. أيتها القصيدة المكتوبة بطهر الأيام.. أيتها المليكة الممجّدة بين ثنايا الرُّوح..

حيث أنتِ أناشيد وعطر كل الورود.. حيث مجدليات الحبّ الأبدي ولغات الشروق.. التي تنبت على ضفاف الوعد وصدقه الصدوق.. تنبت أخيلة مجروحة الوئام إذا ما نادت تلك الأم على فلذة كبدها الغائب.. ‏‏‏‏

على تنوّر الأعياد الذي يخبز خبز حنّيتها المعهودة.. ويعجنُ خبز كلماتها والحروف إذ تقدّسَ نطق الكلمات بهما، ولاحَ ظل الوقت الفردسي من خلالهما، لاحَ وكأنه صحوة الحلم عندما تنادي عليها جراحات العمر.. ‏‏‏‏

«تنادي» وتُلقي السلام.. على أم الشهداء، على من تّمثّل صبر ونصر هذا الوطن الجريح من تجالس تربة الأحبابِ كقنديلٍ خُلق من مرام الصبر والأحزانِ.. ‏‏‏‏

«خُلقَ» النور من أجلكِ يا أمّي.. وبزغت «قناديلكِ» قناديل النور بفلكِ الأيام والأقمار.. وكأنكِ هدية السماء والأقدار.. وتثريب عطر المحبة على وجه الأزمانِ.. وسؤال مُتيم بنورٍ الحال والأحوالِ إذ يسألُ: وما سركِ يا أمّي.. وما سرُّ الشموس، «وشمسي» لا تسطع إلا من أفياء نوركِ المُجتبى؟‏‏‏‏

لا تسطع إلا من أفياء كلامكِ وموعد سرمدكِ العظيم «فأنتِ ملتقى الأشياء الطيبة» وهل لها أن يتوقف سر جمالها سرُّ الامتنان.. أنت ذاك المخلوق العجائبي الذي أودع فيه الخالق.. تراتيل وهّاجة من نور محبته.. ‏‏‏‏

«أودع جماله العظيم في صورة الأم».. فأصبحتِ ذاك السّلام المهيمن في كلّ القلوب والأفئدة. ‏‏‏‏

والسّلامُ السّرمدي المهُيمن الذي لا يليقُ إلا بكِ يا أمّي.. ‏‏‏‏

فكلّ عامٍ وأنتِ وأمهات العالم بألف خير.. ‏‏‏‏

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن