ثقافة وفن

اليوم العالمي للمياه 2024: «المياه من أجل السلام»

| أ. د. وائل معلا

منذ عام 1993، تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 آذار من كل عام «باليوم العالمي للمياه»، للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وفي عام 2005 صادف هذا اليوم بداية «العقد الدولي للمياه» الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 تحت شعار «الماء من أجل الحياة» والذي استمر حتى عام 2015. وكان الهدف الرئيس من هذا العقد هو تعزيز الجهود الرامية إلى الوفاء بالالتزامات الدولية المعلنة بشأن المياه والقضايا المتصلة بالمياه بحلول عام 2015.

وتشمل التزامات العقد خفض نسبة الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب إلى النصف بحلول عام 2015 ووقف الاستغلال غير المستدام للموارد المائية إلى جانب وضع خطط متكاملة لإدارة الموارد المائية وتحقيق الكفاءة في استخدام المياه وخفض نسبة السكان الذين لا تتوافر لهم المرافق الصحية الأساسية إلى النصف بحلول عام 2015.

في عام 2020 اختير لليوم العالمي للمياه شعار: «المياه والتغير المناخي»، وكيف يرتبط الاثنان ارتباطاً وثيقاً. وكان الغرض الأساس من هذا الاختيار إبراز أن استخدام المياه يساعد في خفض الفيضانات والجفاف والندرة والتلوث، فضلاً عن أنه يساعد في مسألة تغير المناخ ذاتها. فالتكيف مع تأثيرات المياه لتغير المناخ من شأنه أن يحمي الصحة وينقذ الأرواح، وإن استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة سيقلل غازات الاحتباس الحراري

في عالم 2021، اختير «تثمين المياه» شعاراً لليوم العالمي للمياه. وفي هذا السياق تم إطلاق حوار جماهيري عالمي على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن كيف يثمن الناس المياه في جميع استخداماتها. وكان الهدف الرئيس من هذه الحملة هو إيجاد فهم أكثر شمولاً لكيفية تثمين أناس مختلفين للمياه في سياقات مختلفة، حتى نتمكن من حماية هذا المورد الثمين للجميع.

فالمياه تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. في المنازل والمدارس وأماكن العمل، يمكن أن تعني المياه الصحة والنظافة والكرامة والإنتاجية. وفي الأماكن الثقافية والدينية والروحية، يمكن أن تعني المياه صلة بالخلق والمجتمع والنفس. وفي المساحات الطبيعية، يمكن أن تعني المياه السلام والوئام والحفظ.

وقد أشار تقرير الأمم المتحدة حول تنمية المياه في العالم لعام 2021، أن عدم القدرة على التعرف إلى قيمة المياه هو السبب الرئيس لإهدار المياه وإساءة استخدامها. وعلى الرغم من صعوبة إسناد قيمة موضوعية لا جدال فيها إلى هذا المورد الأساس للحياة، يبدو أنه من الضروري دراسة أبعاد المياه المختلفة من أجل فهم الجوانب المختلفة «لقيمتها». وهذا صحيح بشكل خاص في أوقات الندرة المتزايدة وعلى خلفية النمو السكاني وتغير المناخ.

أما في عام 2022 فقد اختير «المياه الجوفية، تجعل غير المرئي مرئياً» شعاراً لليوم العالمي للمياه. وقد تم إطلاق تقرير الأمم المتحدة عن تنمية المياه في العالم لعام 2022 والذي يحمل نفس العنوان في 21 آذار 2022 في حفل افتتاح المنتدى العالمي التاسع للمياه في داكار، السنغال. ويزود التقرير صانعي القرار بالمعرفة والأدوات اللازمة لصياغة وتنفيذ سياسات المياه المستدامة. كما يقدم أفضل الممارسات والتحليلات المتعمقة لتحفيز الأفكار والإجراءات من أجل إدارة أفضل في قطاع المياه وخارجه.

أما العام الماضي 2023 فقد اختير «تسريع التغيير لحل أزمة المياه والصرف الصحي» شعاراً لليوم العالمي للمياه. في الوقت الحالي، فنحن بعيدون جداً عن المسار الصحيح لتحقيق الهدف السادس من الأهداف العالمية للتنمية المستدامة SDG 6: المياه والصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030. وما زال مئات الملايين من الناس وعدد لا يحصى من المدارس والشركات ومراكز الرعاية الصحية والمزارع والمصانع لا يملكون المياه الصالحة للشرب والمراحيض التي يحتاجون إليها. ونحن بحاجة إلى تسريع التغيير لتجاوز هذا الواقع. ويتعين على الحكومات العمل بأضعاف السرعة الحالية لتحقيق هذا الهدف في الوقت المحدد.

أما العام الحالي 2024 فقد اختير «المياه من أجل السلام» شعاراً لليوم العالمي للمياه. فالمياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع. فعندما تكون المياه شحيحة أو ملوثة، أو عندما يفتقر الناس إلى الفرص المتكافئة للحصول على المياه أو تنعدم فرص حصولهم عليها، فإن التوترات قد تتصاعد بين المجتمعات والبلدان. ويعتمد أكثر من 3 ملياران شخص في جميع أنحاء العالم على مياه تعبر الحدود الوطنية. ومع ذلك، فإن 24 بلداً فقط لديها اتفاقيات تعاون بشأن جميع مياهها المشتركة. ومن خلال التعاون في مجال المياه، يمكن تحقيق التوازن بين احتياجات الجميع من المياه والمساعدة في تحقيق الاستقرار في العالم.

وكما جرت العادة في كل عام، سيتم في يوم المياه العالمي إطلاق الإصدار الجديد من تقرير الأمم المتحدة حول تنمية المياه في العالم الذي يحمل هذا العام عنوان: «المياه من أجل الرخاء والسلام». ويتناول التقرير العلاقة المعقدة بين الأمن المائي والازدهار الاقتصادي والسلام. ويؤكد أن مستقبل المياه الآمن والعادل أمر أساس لتحقيق الرخاء والسلام. وعلى العكس من ذلك، يمكن للفقر وعدم المساواة والتوترات الاجتماعية أن تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن المائي.

ويعد تقرير التنمية العالمية لعام 2024 بمثابة مرجعٍ بالغ الأهمية لواضعي السياسات وللعاملين في إدارة الموارد المائية في مختلف دول العالم. ومن خلال تسليط الضوء على العلاقة المتعددة الأوجه بين المياه والرخاء والسلام، يهدف التقرير إلى تحفيز الحوار وإلهام العمل نحو ممارسات الإدارة المستدامة للمياه، ويسعى في نهاية المطاف، إلى تمهيد الطريق لمستقبل تعمل فيه المياه حافزاً للسلام والرخاء للجميع.

مما لاشك فيه أن المياه التي تعد أحد أهمّ الموارد الطبيعية وأكثرها ضرورة للحياة، يمكن أن تكون أيضاً مصدرًا للتنافس والنزاع، سواء داخل الدول (أي بين مستخدمي المياه على اختلاف قطاعاتهم)، أو بين الدول. ويعتمد مستقبلنا المائي على كيفية تعاوننا أو تنافسنا على هذه الموارد الثمينة. وعلى الدول والمجتمعات أن تعمل معًا لضمان حصول الجميع على المياه العذبة واستخدامها استخداماً مستداماً، وأن يكون التعاون مبنياً على مبادئ العدالة في توزيع الموارد المائية المشتركة؛ والمساواة حيث تتمتع جميع الدول المتشاطئة بحقوق متساوية في الوصول إلى هذه الموارد (لا أن تفرض دولة المنبع شروطها على الدول المتشاطئة الأخرى)؛ والاستدامة حيث تستخدم الموارد المائية المشتركة بشكل مستدام لضمان توافرها للأجيال القادمة؛ والسيادة حيث تُحترم سيادة كل دولة على أراضيها ومواردها. إن التعاون القائم على المبادئ المذكورة قادر وحده على تحويل المياه من مصدر للنزاع إلى مصدر للسلام والازدهار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن