«بيت أهلي» يبدأ قصته بحادثة مفصلية في دمشق … سرد بطيء للأحداث غيّب عنه عنصر الإثارة والتشويق
| مايا سلامي
تحجز أعمال البيئة الشامية مكاناً لها في السباق الدرامي 2024 بعد أن غدت طبقاً رئيسياً على المائدة الرمضانية في كل عام بسبب الإقبال الجماهيري العربي الذي تلاقيه بسبب قصتها اللطيفة وتفاصيلها المميزة وديكورات منازلها التي تحاكي عادات الدمشقيين القدامى.
وفي هذا الموسم يطل مسلسل «بيت أهلي» تأليف فؤاد شربجي، وإخراج تامر إسحق، ليقدم حكاية جديدة تدور أحداثها عام 1940 خلال فترة الاحتلال الفرنسي في بيئة شامية يتفاعل فيها الحب مع الشر.
وتتناول أحداثه صراعاً بين شخصيتي «نوري» و«أبو عدنان» يشتد ويتطور بعد خروج الأول من السجن ليصبح أحد العناصر الرئيسية في الحبكة الدرامية للمسلسل الذي يحاول سرد رواية تستعرض الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية في دمشق خلال تلك الفترة، فأصاب في جوانب وأخفق في أخرى.
قصة العمل
يبدأ العمل قصته بحادثة اغتيال الطبيب السوري عبد الرحمن الشهبندر في عيادته من ثلاثة مجهولين تدور الشكوك حولهم بأنهم مدفوعون من زعماء الكتلة الوطنية، ويصور تظاهرة جنازته ومدى الحزن الكبير الذي خيم على العائلات الدمشقية العريقة في ذلك الوقت، وكيف أنهم أقاموا له مجلس عزاء ضخماً حضره رجالات دمشق ونساؤها على اختلاف أطيافهم وشرائحهم.
وفي الجانب الآخر يتصدر أيمن زيدان المشهد بشخصية «نوري» الرجل المحتال الذي يسعى إلى تحقيق أطماعه الشخصية، فيعود إلى الحارة ليتقرب من عائلة «أبو عدنان» ويحصل على ثقتهم ومحبتهم، كما يحاول بسط نفوذه وإبراز شخصيته الخيرة والوطنية لبقية رجال الحارة الذين يوهمهم بأنه عائد من مصر بعد عمله بالتجارة والسياسة، ليبدأ بعد ذلك بلعبته التي لم تتضح تفاصيلها بعد وخاصة أن طرف الصراع المقابل «أبو عدنان» الذي يجسد شخصيته الفنان سلوم حداد ما زال غائباً خلال الحلقات العشر الأولى، حيث يجمع العمل كلاً من النجمين الكبيرين بعد غياب 12 عاماً.
وتتجدد فيه ثنائية أيمن زيدان وصفاء سلطان التي تجسد شخصية «يسرى خانم» المرأة القوية واللعوب التي تدير الأشياء بذكاء لتصب في مصلحتها، وتجمعها علاقة حب بـ«نوري» الذي توهم الآخرين أنه ابن خالتها لتبرر زياراته المتكررة لها فتتقاطع بعض الشيء مع «ثريا» التي أدتها العام الماضي في مسلسل «زقاق الجن».
منطق جديد
نجح العمل في التعاطي مع البيئة الشامية بمنطق جديد ومختلف عما هو سائد في التجارب السابقة، فلم يؤطر دمشق بالحارات القديمة فقط بل أظهر جمالية شوارعها وأبنيتها ومدى تطورها آنذاك، كما رصد حياة الدمشقيين بشرائحهم الواسعة والمتعددة فصور فئات اجتماعية تنتمي إلى طبقات علمية وثقافية ومهنية متباينة، مستعرضاً أبرز حركات وتيارات النضال السياسي التي نشطت ضد الاحتلال الفرنسي.
كما عزز من مكانة المرأة التي عكس دورها الرائد في المجتمع، ومدى ثقافتها وقوتها وعلمها وسعة اطلاعها وتحررها، فشاهدنا فيه فتيات دمشقيات في مقتبل أعمارهن يتابعن دراستهن للطب في الجامعة الأميركية ببيروت.
ولم ينحصر لباس المرأة والرجل بالملاءة والشروال والطربوش، بل حرص عل إيضاح الانفتاح الفكري والتنوع الثقافي الذي عاشته دمشق في تلك الحقبة وانعكس على كل مفاصل حياتها.
وجمع العمل عدة خطوط اجتماعية ورومانسية، تروي قصصاً عن الحب والجريمة والانحلال والغرائز والأطماع.
أحداث بطيئة
بالرغم مما سبق لم ينجح العمل في إشعال فتيل عنصر الإثارة والتشويق طوال الحلقات العشر الأولى التي غلبت عليها سيرورة الأحداث البطيئة والحوارات المكررة دون أن يضيف أي فكرة مفصلية تنذر ببدء حبكة الرواية.
كما نفذ مشهد الاغتيال الذي كان فاتحة العمل بطريقة ساذجة وضعيفة لم تحترم عقل المشاهد، فكيف خرج القتلة الثلاثة بعد إطلاق النار على الطبيب من عيادته وعلى مرأى من السكرتير الذي كان يجلس خارجاً، فهل من المعقول أنه تركهم ينجون بفعلتهم دون أن يحرك ساكناً؟
ولم يكن هناك أي مبرر للكوميديا التي تخللت بعض المواقف فلم تؤد غرضها بخلق حالة من الطرافة المحببة للجماهير بل زادت الأمر سوءاً بسبب الأداء المفتعل والمصطنع لها الذي جعلها أقرب للتهريج.
عدد كبير من شخصيات العمل لم يتضح مغزى وجودها وأهمية أدوارها وبدت وكأنها محشوة في النص دون أن توظف لخدمة السياق الدرامي، لكن لا نعرف إن كانت ستحمل في الحلقات القادمة ما هو مهم على صعيد النص والرواية، كما أنه لم يوفق صناعه في اختيار بعض الممثلين الذين زاد ضعف أدائهم من رتابة الحوارات والأحداث.
شخصيات العمل
تطل الفنانة صباح بركات بشخصية «أم عدنان» المرأة الحكيمة والرصينة التي تدير شؤون منزلها بعد غياب زوجها.
ويجدد الفنان الشاب رامي أحمر لقاءه بأيمن زيدان وصفاء سلطان من خلال ضابط الداخلية «عزت أفندي» الذي يظهره بشخصية مناقضة لما قدمه في «زقاق الجن» فيكون ضعيف الشخصية أمام حماته «يسرى خانم».
ويؤدي الفنان حسام تحسين بك شخصية «ناظم بك» القاضي الدمشقي الوطني والمحبوب، الذي يبقي يده ممدودة للخير لمساعدة الجميع.
وعلى نسق شخصيتها زمرد في «العربجي» تطل مديحة كنيفاتي بشخصية «غادة» ابنة «يسرى خانم» التي تتحكم والدتها بمصيرها وتملي عليها رغباتها.
كما يجسد يزن السيد شخصية «عدنان» إلى جانب زوجته «مديحة» التي تؤديها ديمة الحايك بأسلوب كان من المفترض أن يبدو طريفاً وكوميدياً لكنها لم توفق في ذلك.
كما يجمع العمل على قائمة أبطاله كلاً من: عبد الفتاح مزين، عبير شمس الدين، وائل زيدان، غزوان الصفدي، فاتح سلمان، ولاء عزام، لمى بدور، إليانا سعد، جيني إسبر، فادي الشامي، راما زين العابدين، علاء زهر الدين، رنا ريشة، ليث المفتي، مايكل كبابة، عدنان أبو الشامات، تيسير إدريس، علي كريم، تامر العربيد، أيمن بهنسي، محمد خاوندي، أندريه سكاف، مؤنس مروة، وليد حصوة، بلال قطان، وغيرهم.
ننتظر الحلقات القادمة وماذا إذا كانت الأحداث ستصبح أكثر إثارة بما يناسب الرؤية الإخراجية، وإسهامات الكاتب الدكتور فؤاد الشربجي في الدراما البيئية.