قضايا وآراء

ماذا تعني الهزيمة حتى النسبية لإسرائيل؟

| تحسين حلبي

يشير سجل تاريخ الحروب والانتصارات أو الهزائم الناجمة عنها، إلى نوعين من الانتصار أو الهزيمة الحاسمة أو النسبية، ولكل منهما شروطها ومظاهرها، وفي مختلف الحروب وأشكال العدوان التي شنها الكيان الإسرائيلي على العرب والمسلمين في المنطقة منذ نكبة عام 1948، لم يستطع الكيان تحقيق شروط الانتصار الحاسم، وأهمها فرض الاستسلام من دون قيد أو شرط على الطرف المستهدف من العدوان، وبالمقابل لم تستطع قوة مقاومة الكيان العربية والفلسطينية تحقيق جميع شروط الانتصار الحاسم على الكيان وفرض استسلامه التام والشامل، ولذلك كان أن أكثر ما تتميز به نتائج هذه المواجهات الحربية منذ عام 1948 بين الطرفين هو إما «الانتصار النسبي» لأحد الطرفين وإما «الهزيمة النسبية» لأحدهما، وهذا ما أشارت إليه نتائج حرب حزيران عام 1967 حين تحقق للكيان نوع من الانتصار النسبي العسكري وليس الحاسم على مصر وسورية بشكل خاص، وهو نفس ما حققته مصر وسورية من انتصار مماثل في حربهما المشتركة في تشرين الأول عام 1973 ضد الكيان، وكان انتصار المقاومة اللبنانية بدعم قوى محور المقاومة على الكيان في أيار عام 2000 قد حقق شروط انتصار نسبي، حين فرض على العدو انسحاب قواته من دون قيد أو شرط من جنوب لبنان، وفي كل هذه الحروب ونتائجها بقيت مظاهر وأشكال الحرب تسود في المنطقة بين جميع القوى المتصدية للكيان وبين قواته في أكثر من ساحة وجبهة كان آخرها حربه المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، على جبهة المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، والتي فرضت فيها المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها في لبنان وأطراف محور المقاومة، هزيمة نسبية على الكيان، ومن أهم المظاهر الموضوعية لهذا الانتصار النسبي:

1- تكبيده خسائر بشرية في صفوف قواته والمستوطنين المسلحين بسبب عامل المفاجأة أضعفت تماسكه المعنوي وزعزعت ثقة جيشه بقيادته السياسية والعسكرية وبثت الرعب في جنود الاحتياط.

2- إرهاق المقاومة له بحرب ومواجهات ميدانية طالت لأكثر من ستة أشهر من دون أن يتمكن من استعادة قدرة الردع أو حسم المواجهة الميدانية مع المقاومة التي استمرت باستنزافه رغم قوته العسكرية الضخمة ووحشية جرائمه الميدانية.

3- تآكل ثقة المستوطنين في قيادتهم السياسية والعسكرية ونقل تناقضاتهم علناً إلى الشارع بشكل بدأت فيه مظاهر النزاع الداخلي والانقسامات تتصاعد بين فئاته لأسباب ولدتها عملية طوفان الأقصى، وبخاصة في موضوع من يلزم بالخدمة في الجيش ومن يعفى من الالتزام.

4- اتساع حدة التناقضات بين الجاليات اليهودية في العالم وبين الكيان بعد تنديد كل شعوب العالم بالمذابح الوحشية التي ارتكبها بشكل غير مسبوق ضد الأطفال والنساء وتنديد جميع شعوب العالم بها بصفتها جريمة إبادة شعب واضحة بكل معالمها.

5- تآكل قدرة الحكومات الغربية الاستعمارية على تبرير جرائم الكيان أمام مؤسسات المجتمع الدولي وتفاقم الخلافات فيما بينها بسبب ضغوط الرأي العام العالمي الموحدة ضد دعمها للكيان.

6- تزايد الخوف الإسرائيلي من تبلور رغبة متعاظمة عند دول كثيرة لنزع الشرعية عن الكيان بعد كل ما ارتكبه من جرائم إبادة شعب وبسبب قوانينه العنصرية الصارخة التي تذكر بالحملة العالمية للتخلص من النظام العنصري في جنوب إفريقيا وعجز قوى الاستعمار عن صد هذه الحملة.

7- تحييد نسبة من القوة البشرية المسلحة لجيش الكيان عن البقاء في ميدان الحرب أو المشاركة فيها بسبب ازدياد الهجرة العكسية لمئات الآلاف من الإسرائيليين خلال أشهر الحرب على المغادرة إلى الأوطان التي جيء بهم منها إضافة إلى من تخلف عن الالتزام من قوات الاحتياط بهدف المحافظة على حياته، وما زال نزف الهجرة العكسية يسبب انخفاضاً مستمراً في عدد القوة البشرية للجيش.

8- لقد أثبتت المواجهات الميدانية لقوى المقاومة في هذا الفصل شعوراً غير مسبوق لدى نسبة من المستوطنين أن قابلية إلحاق الهزيمة الحاسمة فيه أو فرض المزيد من شروط المقاومة عليه ممكنة وليست مستحيلة.

9- تمكنت المقاومة من فرض تغيير واضح علني في الخطاب السياسي للدول الحليفة للكيان ظهر واضحاً في دعوتها إلى ضرورة التوجه نحو إنشاء دولة فلسطينية لحل هذا الصراع بدلاً من انتهاج سياسة الصمت التي اتبعتها تجاه رفض الكيان لمشروع حل الدولتين والتواطؤ معه بهدف تصفية كل الحقوق الفلسطينية.

وفي الختام ألا تدعو هذه المظاهر الواضحة للهزيمة النسبية التي فرضتها المقاومة على الكيان بدماء وتضحيات الشعب الفلسطيني أن تتحول إلى عوامل توحد الجميع على درب الانتصار الحاسم واستعادة الحقوق الوطنية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن