إيران المتجددة وأدوارها المُنتظَرة
| بيروت – محمد عبيد
«التدبير الإلهي» التسمية التي يحب الإيرانيون أن يطلقوها على عملية اعتقال البحارة الأميركيين في المياه الإقليمية الإيرانية عشية البدء بتنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، شكَّل مؤشراً إضافياً على جدية القيادة الإيرانية في الفصل بين مستلزمات الحفاظ على الأمن القومي بعيداً عن أي مسايرة دبلوماسية وبين الالتزام الدقيق والمسؤول بتعهداتها ومواثقيها في ما يعني الاتفاقيات التي توقع عليها.
ورغم قساوة الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول عملية الاعتقال هذه على الرأي العام الأميركي تحديداً، لم يجد المسؤولون الأميركيون مفراً من شكر القيادة الإيرانية بل أيضاً مدحها لجهة استيعاب الحادثة والتعامل معها بهدوء وعقلانية وتجنيب البلدين أي تداعيات سلبية على العلاقات الناشئة بينهما.
غير أن أهمية هذه الحادثة تكمن في كونها استكمالاً لمسار كان قد بدأه الإيرانيون في مقاربتهم لمفهوم العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية مهما كان نهج إدارتها وأسلوبها، وهو مفهوم كرسته القيادة الإيرانية منذ اليوم الأول لعملية التفاوض انطلاقاً من اعتبار أن إيران تفاوض لاستعادة حقوقها المكتسبة على الصعيد النووي وحقوقها المسلوبة على الصعيد الاقتصادي والمالي إلى جانب اقتناع هذه القيادة بشكل مُطلق بأن نفوذ إيران الإقليمي ومسؤولياتها التي كلفت نفسها بها مع حلفائها هما أمر دفعت ثمنه سلفاً حصاراً وضغوطات حتى من الذين يفترض بهم أن يكونوا جيراناً طيبين.
حاولت الإدارة الأميركية ولم تنجح في جر إيران إلى الخضوع للابتزاز عبر التفاوض على مسارين متوازيين الأول نووي والثاني إقليمي وعلى رأس جدول أعماله سورية، أملاً منها بكسب شريك أو بالأصح تابع جديد يضاف إلى منظومة المحافظين على المصالح والسياسات الأميركية وضامنيها في المنطقة. وبدل ذلك، ذهبت إيران بإتجاه صياغة علاقة تحالفية مع روسيا شكلت سورية أبرز عناوينها وعلاقة اقتصادية – سياسية مع الصين وعلاقات استثمارية مع دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاستمرار في تمتين تحالفاتها الإقليمية في إطار المحور الذي باتت تشكل ركيزته الأساسية. هذا المحور الذي كان مثقلاً بالضغوطات والحصار والحظر، يحاول أن يساند بعضه بعضاً في مواجهة الحروب التي خاضها مجتمعاً بوسائل مختلفة ومن مواقع متعددة والتي حقق في الكثير منها انتصارات بارزة وبإمكانيات متواضعة.
اليوم، وبعد تحرر إيران وتجاوزها للكثير من العقوبات والحظر الدولي، تبدو مسؤوليتها أكبر تجاه باقي قوى هذا المحور شبه المحاصرة انطلاقا من قدرتها على التحرك سياسياً ودبلوماسياً واقتصاديا بحرية مطلقة، ومما يفرض عليها وبالتعاون مع حلفائها في محور المقاومة وأصدقائه كبح جماح الاندفاعة التركية ضد الدولة في سورية بشكل نهائي وحاسم بعدما طال زمن عبثها في الداخل السوري.. وتبدو أزمتها وأزمة هذا المحور أعمق في العراق -الحليف الافتراضي حكومياً والواقعي شعبياً- في ظل صراع القوى المكونة للسلطة على مواقعها ومغانمها أو ما تبقى منها، وعودة الخطاب الدولي والإقليمي حول إمكانية وضرورة تقسيمه إلى كانتونات طائفية ومذهبية إلى الواجهة مع ما يعني ذلك من تكريس لوجود «داعش» كحالة مذهبية على مساحة جغرافية واقتصادية توفر لهذا التنظيم أسباب الحياة والصمود وما يعنيه أيضاً من تساؤلات عن جدية المسعى الأميركي للقضاء عليه.
على الرغم من تزاحم الملفات الداخلية على طاولة القيادة الإيرانية الآن، تبدو الحاجة إلى إعادة تقييم واقع محور المقاومة ضرورية وربما عاجلة في بعض الحالات بهدف صياغة مقاربات جديدة لمشروع المواجهة مع واشنطن وأدواتها، وخصوصاً مع التموضعات الجديدة التي تنذر بالتقريب بين العدو الإسرائيلي وبعض ممالك ومشيخات الخليج وبعد الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين إلى الرياض وأنقرة.