تبدو الصين، وفق قاعدة القوة الاقتصادية والعسكرية، مرشحة للعودة كقوة عالمية كما كانت قبل قرون عدة، وربما تكون المنافس الأكبر والأهم للولايات المتحدة في السنوات القادمة، وتبدو الصين لاعباً دولياً وقوة عظمى في تفاعلات وحسابات عالم يتغير، فالنمو الاقتصادي المتسارع الذي تحققه سيجعلها مستقبلاً، القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وعدد سكانها وقوتها العسكرية يرشحانها لتكون قوة عظمى.
في ظلّ المشهد الدولي الذي تتشابك فيه التحولاتُ والصراعات والاضطرابات، تبدو الصينُ متألقة كقوة ضامنة للسلام والتقدم والاستقرار، والتنمية الاقتصادية، فالصين كقوة عظمى تعمل بحكمة وهدوء للمحافظة على السلام وتحقيق التنمية، من خلال السعي لإقامة مجتمعِ المستقبل المشترك للبشرية كهدف نبيل للدبلوماسية الصينية.
فقد أوضح الرئيس الصيني شي جين بينغ أهداف المفهوم الإنساني السامي لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وعمل ووجّه لوضع سياسات وآليات تطبيق القيم المشتركة للبشرية لبناء عالم يسوده السلام الدائم، ومنفتح وشامل ونظيف وجميل ينعم بالاستقرار والازدهار، وقد ترجم ذلك عملياً من خلال طرح الرئيس شي مبادرة «الحزام والطريق» ومبادرةَ التنميةِ العالمية، ومبادرةَ الأمن العالمي، ومبادرةَ الحضارة العالمية، وكل ذلك بهدف دفع التنمية المشتركة وتبادل الفائدة بين الحضارات، وجاء التعاون الصيني مع عشرات من الدول في مجالات الصحة والتكنولوجيا، وعلى الأصعدة الثنائية المتعددة الأطراف الإقليمية والعالمية، ليؤكد ذلك.
في عام 2023 انعقد المؤتمر المركزي للعمل المتعلق بالشؤون الخارجية في بكين وطرحت الصين الدعوة إلى التعددية القطبية المتسمة بالمساواة والانتظام والعولمة الاقتصادية القائمة على المنفعة للجميع، وتؤكد أن جميع الدول، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، تتمتع بالحق لشق طرق تنموية تتناسب مع ظروفها الوطنية الخاصة، وترى أن يتحرَّكَ العالم في إطار مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ويكبّر كعكة التنمية الاقتصادية ويوزعها على نحو عادل، كما لقيت مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي دعماً واضحاً من أكثر من 100 دولة.
تتمسَّك الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي بالمشاركة البناءة في حل القضايا الساخنة الدولية، وفق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام السيادة وسلامة الأراضي للدول المعنية، وتقوم الصين بدور الوساطة حسب احتياجات ورغبات الدول المعنية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
والصين تؤيد شعوب الشرق الأوسط على الدوام لحل المشاكل الأمنية الإقليمية، وتوسطت الصين للمصالحة بين السعودية وإيران، والتمسك بالحل السياسي، وتشجيع الحوار، وإيجاد أكبر القواسم المشتركة التي تراعي مطالب الأطراف.
وفيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، تدعم الصين القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وأن تكون فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وترى أن التوتر مؤخراً في البحر الأحمر سببه الحرب الإسرائيلية على غزة.
حقق الاقتصاد الصيني في عام 2023 نمواً بمعدل 5.2 بالمئة أي أسهم بثلث النمو العالمي، والتنمية في الصين تشمل الارتقاء الفعال بالجودة، فازداد عدد شركات التكنولوجيا المتقدمة إلى نحو 400 ألف، وقفز عدد شركات «يونيكورن» إلى المرتبة الثانية في العالم، ومن المرجح أن يبلغ حجم الاقتصاد الرقمي للصين 15.7 تريليون دولار في عام 2027.
من جانب آخر حقق التحول الأخضر نتائج بارزة، ويحتل حجم إنتاج ومبيعات سيارات الطاقة الجديدة المرتبة الأولى في العالم، وتتوسع بوابة الصين للانفتاح على الخارج باستمرار، إذ انخفض المستوى العام للتعريفات الجمركية في الصين إلى ما يناهز المستوى المتقدم للأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وما زال معدل العائد على الاستثمار الأجنبي في الصين يتصدر العالم، وتفتح السوق الصينية الضخمة ذراعيها للعالم حالياً.
في عام 2022، قام الرئيس شي بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية وحضر القمة الصينية- العربية الأولى، وقمة الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، ما فتحَ عصراً جديداً في العلاقات الصينية– العربية، كما زار الرئيس بشار الأسد الصين عام 2023 ووقع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع الصين.
إن الصينَ مستعدةٌ للعمل مع الدول العربية لتعزيز التنمية للعلاقات بين الجانبين، ودفع بناء نظام دولي أكثر عدلاً وعقلانية، وتقديم مساهمات جديدة للسلام والاستقرار والتنمية والازدهار في العالم.
حقق الاقتصاد الصيني نمواً بمعدل 10 بالمئة سنوياً منذ العام 1980، وقد بدأت الصين برنامجاً اقتصادياً منذ العام 1979 قائماً على الانفتاح الاقتصادي واستقطاب المستثمرين، وتحولت الصين إلى ورش ومصانع لشركات كبرى.
تعتبر الصين اليوم أكبر قوة اقتصادية في شرق وجنوب شرق آسيا، وتتفوق على اليابان في الاستيراد والتصدير والناتج القومي، ويساوي ناتجها المحلي ضعف ناتج الهند وروسيا معاً.
كان المسؤولون الصينيون سابقاً يقولون إننا لسنا قوة عظمى، نحن دولة نامية من العالم الثالث، كان ذلك تواضعاً بقدر ما كان التزاماً بسياسة النَفس الطويل، فالصين ليست في عجلة من أمرها للعب أدوار عظمى، كأنها تجلس بصبر على حافة النهر في انتظار جثة عدوها طافية، وهذا ما تعلمته من حكيمها كونفوشيوس، وبعد رحيل ماو تسي تونغ عام 1976، أمسك بالسلطة دينج هسياو بينج، الذي احترم إرث الماضي وصححه من دون صخب ما مكن الصين من التقدم خطوة خطوة على طريق الألف ميل استلهاماً للحكمة الصينية.
واليوم ثمة محاور سياسية ثلاثة تقلق القيادة السياسية الصينية.
أولاً: محاولات أميركية لجرها إلى سباق تسلح يستنزف مشروعها الطموح للقفز إلى المرتبة الأولى في الاقتصادات العالمية.
ثانياً: تحديات أمنية ضاغطة تطرح عليها في المحيطين الهادئ والهندي ومن جزيرة تايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها، وفق مبدأ «صين واحدة».
ثالثاً: إذا ما نجحت الولايات المتحدة في كسب الحرب الأوكرانية وتقويض الدور الروسي.
تواجه الصين هذه التحديات بمزيد من الحكمة وفق المبدأ الصيني في إدارة السياسة العامة الذي يمكن تلخيصه في «أكبر قدر من المصالح وأقل قدر من المنازعات»، في وقت يُنظر إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى تتراجع هيمنتها سياسياً واقتصادياً بعوامل مثل ضعف الانتعاش الاقتصادي، اضطراب مالي، العجز المرتفع الذي يقترب من مستويات الناتج المحلي الإجمالي والبطالة، في حين تتقدم الصين بثقة وثبات كقوة عظمى ضامنة للسلام والاستقرار والتنمية في العالم.
وزير وسفير سوري سابق