ثقافة وفن

أغمض عينيك… دراما اجتماعية عائلية طال انتظارها … بين حضانة جود وحكم والدته وعلاقة عاطفية ترسم طريقها بهدوء

| مصعب أيوب

دراما اجتماعية شائقة فيها قصص حساسة جداً وتلامس الوجدان، ألفها أحمد الملا ولؤي النوري، قدمت الطفل جود المصاب بطيف التوحد وأمه حياة وصديقها مؤنس الذي يقضي أغلب وقته بصحبته، فيسلط العمل الضوء على معاناة عوائل أولئك الأطفال وسعيهم الدائم لتأمين أعلى درجات الراحة له ملامساً أوتار القلب.

هدوء ودفء

يحلق العمل بعيداً خارج سرب الأعمال السائدة القائمة بالدرجة الأولى على الصراع ومشاهد الضرب والعنف والدماء، لا صراخ فيه ولا راقصات ولا قيادة رعناء أو تحطيم أثاث منزل أو حتى اتصال فيه مهاترات كثيرة، مواضيع حساسة تدخل في عمق المجتمع السوري، فيقدم وجبة درامية خفيفة وسلسلة ومريحة للقلب وللعين، وفيها من الدفء الشيء الكثير من دون إسفاف أو انحطاط أو مشاهد مخلة بالآداب، وأظن أنه العمل الوحيد الذي يمكن أن تحضره العائلة بكل أفرادها، ففيه قصة سلسة تدخل إلى الفؤاد بكل انسيابية، ولعل من أبرز ما سلط العمل الضوء عليه في حلقاته هو ظاهرة الدخول والمغادرة بين لبنان وسورية بطريقه غير شرعية وكيف يمكن استصدار بطاقة شخصية غير حقيقية بكل سهولة وسرعة، وكذلك قدم طرحاً لبعض نصوص القانون والمراسيم المتعلقة بحضانة الأطفال، فيمسك أغمض عينيك المشاهد من يده من دون الولوج إلى تشعبات لا تقدم جديداً.

إخراجياً، يستخدم مؤمن الملا الألوان بطريقة ذكية ومريحة للعين لا تكلف فيها ولا ارتجاف أو ميلاناً غير مبرر في حركات الكاميرا، فيصور حارات دمشقية وبيوتاً عربية قديمة ونافورة ماء، وتحضير أطباق الطعام وفنجان القهوة، كما يقحم أغاني فيروز المحببة لدى شريحة واسعة من الجمهور السوري في كثير من المشاهد مما يضفي على العمل كثيراً من الجمال.

حس مرهف

تطل منى واصف بدور الجدة العطوف التي تغلبها عاطفتها تجاه ابنتها بعد أن عارضت الابنة قرار العائلة وتزوجت ممن رفضته عائلتها، وتخرج واصف بدور أم رجا من عباءة المرأة المتسلطة التي تتحكم بابنها أو التي تقرر مصير العائلة كما ظهرت في الهيبة بشخصية أم جبل أو في ليالي الصالحية بدور أم المخرز، فهي تتمتع بمشاعر إنسانية عالية وتمتلك حساً مرهفاً وتعيش برفقة زوجها «فايز قزق» في بيت بسيط متواضع وتأخذ على عاتقها مهمة حضانة جود بعد أن يرفض الجد ذلك بحجة أنه غير راض عن حياتها وعن تصرفاتها ويدعي أنه بريء منها.

ويطل الكبير فايز قزق بشخصية أبو رجا العنيد والمتزمت الذي ينقم على ابنته بعد أن عصت قراره ويخوض في عدة خلافات مع زوجته بشأن الطفل جود.

فنان ذكي وعبقري

يقدم عبد المنعم عمايري واحداً من أهم أدواره بشخصية مؤنس الذي تنشأ علاقة قوية بينه وبين جود المصاب بطيف التوحد ويجد فيه الملاذ والأنس بعد أن فقد زوجته إثر حادث سيارة، وهو أستاذ لمادة الرياضيات وصاحب أخلاق حميدة وسلوك حسن، يجد نفسه وحيداً برفقة جود، ويسعى لتحقيق الأمن والراحة له، فيخوض الاثنان تحديات عدة شائكة لإتمام حياتهما، ولكن لا أدري لماذا يبدي مؤنس كل هذا الانكسار وكأنه مغلوب أو ينصاع لأوامر بعضهم أو غير راض عن حياته.

يعي عمايري بشكل مفهوم ما يريده الجمهور منه وما تتطلبه هذه المهنة فلا يتصنع ولا يستسهل، يدرك تماماً أن عليه التنويع في الاختيارات وعدم حصر نفسه في قالب درامي معين فلا يمكنك أن تجد أي تشابه بين شخصيته هذه وبين شخصية خلدون في وصايا الصبار، فهو ذكي ويعرف أين يضع نفسه وأي الأشكال التي سيبدع فيها، وأظن أنه من ضمن أفضل المنافسين على الساحة الرمضانية، إلا أن ابتعاده عن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أو «التريند» يجعله مغيباً بعض الشيء.

أمومة مرهقة

حياة «أمل عرفة» أم حساسة جداً وراقية وتتمتع بكثير من الحب الذي يشدك، في افتتاحية الحلقة الأولى تفقد ابنها في أحد المولات بعد أن جاءها هاتف يجعلها تضطرب، فتلاحظ عليها انفعالات الأم المكسورة الصادقة، وتشعرك بأن وهج التألق بناصية يدها، تتورط بقضية تجارة الممنوعات عن غير قصد، وتضطر لمغادرة القطر والعودة إليه خلسة لتأخذ ابنها وتغادر مجدداً ولكن شريكها يكيد لها ويوقعها في قبضة العدالة لتساق إلى السجن وتالياً إلى القضاء.

فقدمت عرفة الأمومة بأبهى صورة في مسلسل أقل ما يقال عنه إنه واقعي، فهي أم تضحي وتهب حياتها لابنها، فتؤكد أن التقدم بالعمر لا يزيدها إلا خبرة وعظمة وألقاً.

حضور نسائي

وتطل وفاء موصللي بشخصية والدة سلام لتقدم شيئاً جديداً لم تقدمه من قبل وهي امرأة تعيش تقلبات نفسية داخلية، فساعة تجدها اجتماعية وتحب السهر واللقاءات والاجتماعات وتدعو أصدقاءها لقضاء وقت ممتع، وساعة تراها انطوائية وتجلد ذاتها وتحطم أثاث المنزل، لتثبت لنا أنها رائعة ومتمكنة في أدائها.

أما سلام «حلا رجب» فهي مربية ومدربة ومعنية بشؤون أطفال طيف التوحد، يلفتها جود الذي تربطها بأمه علاقة جوار السكن، وتأخذ على عاتقها رعايته والاهتمام به بالتعاون مع جدته ومؤنس والمركز، فتقدم رجب أداء رصيناً بعيداً عن التكلف يعج بالهدوء والألم الذي أحدثه وضع أمها النفسي.

مثقف رزين

كما يقدم جابر جوخدار دوراً مختلفاً عن الزند العام الفائت ولكنه إلى اليوم يكرر أدوار الشاب الهادئ الرزين المثقف حسن السلوك والضحوك والاجتماعي المتعاون، وحتى الآن لم نشهد له دوراً شريراً أو في فصيلة غير قانونية وربما عليه تغيير هذه النمطية ليثبت قدراته.

كما يتكلم العمل عن أهمية قوة العلاقة بين الموظف ورب العمل من خلال الحوارات التي ظهرت بين سلام وجوخدار وبين المدير فيما يخص موضوع حضانة جود.

ويطل محمد حداقي بشخصية سليم وهو رجل يمارس أعمالاً غير قانونية، وقد ظهر بهذا القالب في عدة أعمال درامية لهذا العام وربما عليه أن يبتعد قليلاً عن هذا النمط لكيلا يؤخذ عليه هذا الدور تحديداً وبشكل متكرر، فلا تختلف كثيراً هذه الشخصية عن معتصم في الصديقات أو أبو دياب في كسر عضم2 وحتى عن أبو الهول في ولاد بديعة وأبو شملة في ضيعة ضايعة وإن تفاوتت نسبة الشر الذي تختزنه أو كانت أقل بطشاً، ولكن الثيمة العامة للشخصية متشابهة جداً.

كما يحمل راية العمل كل من أحمد الأحمد ومصطفى المصطفى وهاني شاهين وحسن دوبا وعلا باشا وغيرهم.

فهل ستكلل علاقة سلام ويامن بالنجاح والارتباط أم إن سلام ستبقى بهذا البرود تجاه يامن؟ وهل يمكن أن يتزوج مؤنس ويجد ما يشغله عن جود؟ وماذا عن حياة التي حكمت بالسجن لمدة 15 عاماً، هل يمكن أن تجد مخرجاً أو يشملها قانون عفو ما؟

بانتظار الحلقات القادمة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن