قضايا وآراء

من ترومان إلى بايدن

| دينا دخل الله

ربما يكون الشغل الشاغل للأميركيين الديمقراطيين في هذه الأيام هو كيفية الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهم متأكدون أنهم سيخسرون الانتخابات القادمة إذا بقي جو بايدن مرشحهم لهذه الانتخابات، فكيف يمكن للحزب الديمقراطي تخطي هذه العقبة وضمان الفوز في تلك الانتخابات؟

يقول خبراء التاريخ الأميركيون: إن هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها الحزب الديمقراطي في موقف كهذا، ففي عام 1948 كان المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الرئيس هاري ترومان، الذي أكمل السنوات الثلاث الباقية من حكم الرئيس السابق فرانكلين روزفلت بعد موته، وكان في أدنى مستويات نفوذه وشعبيته، فلم تتجاوز نسبة تأييده في استطلاع غالوب 36 بالمئة، إذ كانت البلاد تعاني مشاكل كثيرة في الاقتصاد كالتضخم، كما فرضت الحرب الباردة آنذاك تحديات عسكرية في الخارج ومخاطر أمنية داخلية، وكان الجمهور منهكاً من 16 عاماً من حكم الديمقراطيين الذي استمر من عام 1933 وحتى عام 1948، ما جعل أغلب المراقبين يتفقون على أن المرشح الديمقراطي سيخسر بالتأكيد أمام المنافس الجمهوري حاكم ولاية نيويورك توماس ديوي، وما زاد الطين بلة في ذلك الوقت أن الرئيس ترومان واجه انشقاقات داخل حزبه ما جعل الوضع خطراً جداً في الولايات المتأرجحة، وهذه الصورة القاتمة أدت إلى رفع أصوات كثيرة عندها داخل قادة الحزب الديمقراطي تطالب ترومان بالاستقالة، فقد كتب محرر مجلة «نيو ريبابليك» الليبرالية المؤثرة، مايكل سترايت: «إن رئيس الولايات المتحدة هو اليوم زعيم الديمقراطية العالمية، لكن ترومان لا يملك الرؤية ولا القوة التي تتطلبها هذه القيادة».

مشهد من أربعينيات القرن الماضي يبدو مألوفاً جداً بالنسبة للشارع الأميركي الحالي، فمع استمرار تعافي الأميركيين من جائحة كورونا، ومع التضخم الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي وعدم الاستقرار الخارجي بسبب النزاعات الدائرة في العالم، إضافة إلى الانقسام داخل الحزب الديمقراطي وتراجع التأييد الشعبي، يبدو أن المرشح الديمقراطي جو بايدن يواجه تحديات مماثلة لتلك التي واجهها ترومان عام 1948، فهل يستطيع فريق بايدن استخلاص دروس من فريق ترومان والفوز بولاية رئاسية ثانية؟

يقول المحللون إن هذا ممكن وخاصة أن ترومان فاز عندها بالانتخابات، فما الخطة التي اتبعها فريق ترومان للفوز؟

اتبع فريق ترومان مخططاً صممه جيمس رو وكلارك كليفورد، وهما مستشاران في البيت الأبيض في عهد الرئيس روزفلت.

كانت معضلة ترومان في آذار 1948 تحمل تشابهاً غريباً مع معضلة بايدن في عام 2024، وقام رو وكليفورد بصياغة مذكرة توفر الإطار لحملة عودة ترومان، لقد أدركوا أن التحالف الديمقراطي الذي كان عبارة عن مجموعة فوضوية من المجموعات العرقية والمصالح، لذا كان على ترومان أن يقدم شيئاً للجميع مثل الحقوق المدنية للأميركيين السود، والحماية النقابية القوية للعمال في المناطق الحضرية، وبرامج تخزين الحبوب الفيدرالية للمزارعين، وعلى بايدن أن يقدم شيئاً للجميع كما فعل ترومان من خلال التأكيد على وقوفه مع الحقوق الإنجابية والسياسية المناخية ودعم الطبقة العاملة والصحة والتعليم، والعمل على إنهاء الصراعات الخارجية كالدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة والذي يتضمن عودة الأسرى وهو الموقف الذي يحظى بقبول واسع النطاق.

يستطيع بايدن أن يسحب صفحة من كتاب قواعد اللعبة التي اتبعها ترومان ويصور نفسه على أنه المرشح العادي، الذي يمثل المركز الواسع للفكر السياسي الأميركي.

كما فعل خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2020، يستطيع بايدن أيضاً أن يوضح أنه يمثل «الجناح الديمقراطي للحزب الديمقراطي» وهو جناح ليبرالي، لكنه ليس مدفوعًا بأفكار لا تحظى بشعبية كبيرة مثل وقف تمويل الشرطة أو الحدود المفتوحة، فهو يستطيع أن يترشح باعتباره أممياً ليبرالياً وحامياً للديمقراطية، مثل ترومان، ويضع نفسه بقوة بين اليمين غير الليبرالي واليسار المتطرف.

كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن