قضايا وآراء

إسرائيل تدير «الأذن الطرشة» حتى لأميركا

| عبد المنعم علي عيسى

خرجت للعلن، في الآونة الأخيرة، تقارير عديدة تشير إلى وجود خلاف أميركي – إسرائيلي بشأن مدينة «رفح» الواقعة عند أقصى الحدود الجنوبية لقطاع غزة، والتي باتت تضم أكثر من نصف عدد سكان هذا الأخير قبيل بدء عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة حماس فجر 7 تشرين الأول المنصرم، والتقارير إياها تعرض لمعطيات تشير إلى أن الخلاف بين الطرفين، الإسرائيلي والأميركي، يتمحور فقط حول أمرين اثنين أولهما التوقيت وثانيهما «الكلفة البشرية» التي يمكن لواشنطن أن تتحملها الآن في ظل تنامي الاتهامات التي باتت تطول «الحضارة الغربية» في صميم «القيم والأفكار» التي صدعت بها رؤوس عالم غالباً ما كان ينظر إليها كـ«حصان طروادة» المعد لاقتحام أحشائه وتفتيت بنيانه، ولمعالجة هذين الأمرين، تضيف تلك التقارير، فإن الولايات المتحدة ترى وجوب أن يتم تأجيل عمل عسكري تشنه القوات الإسرائيلية على رفح ريثما يستقر الوضع الإنساني في الشمال الذي تجب إعادة تأهيله لكي يصبح جاهزاً لاستقبال كتلة وازنة من لاجئي رفح، وعندها فقط تصبح الكلفة البشرية لاقتحام هذي الأخيرة من النوع الذي تستطيع واشنطن تحمله، أو تبريره أمام جمهورها وفي الأوساط العالمية التي بات العديد منها يشير بالبنان إليها على أنها شريكة في حملات «الإبادة الجماعية» التي ما انفك جيش الاحتلال يمارسها في غزة على مدار ما يقرب من الأشهر الستة.

استبق وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وهي السادسة منذ تشرين الأول المنصرم، للمنطقة بتصريحات نارية جاء فيها «سيحدث هذا (يقصد اجتياح رفح) حتى ولو اضطرت إسرائيل للقتال بمفردها، وحتى لو أدار العالم ظهره لإسرائيل بما في ذلك الولايات المتحدة»، من المؤكد أن دريمر المعروف عنه قربه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما كان له أن يقول ما قاله من دون أن يكون الأخير موافق على كل حرف فيه، ولذا فإن الجولة التي بدأها بلينكن بزيارة الرياض يوم الخميس الماضي ثم بلقاء سداسي جرى في القاهرة يوم الجمعة ليختمها بزيارة كيان الاحتلال الذي حضر فيه اجتماعاً لـ«كابينيت الحرب» دام أربع ساعات قبيل أن ينكفئ خالي الوفاض إلى بلاده ذات اليوم، ما كان لها أن تحقق أكثر مما «حققته»، فبعيد ساعة من مغادرة بلينكن أصدر نتنياهو بياناً قال فيه: إنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي بضرورة اجتياح رفح لأنه «لا طريقة لهزيمة حماس دون دخول رفح»، وأضاف إنه «يأمل أن يفعل ذلك بدعم من الولايات المتحدة، لكن إذا اضطررنا فسنفعل ذلك بمفردنا».

من الصعب هنا القول إن تل أبيب قررت إدارة «الإذن الطرشة» لواشنطن بعيداً عن إرادة هذه الأخيرة، بل من الصعب أيضاً القول إن بلينكن لم يكن باستطاعته فعل شيء «أكثر» لو أرادت حكومته إنفاذ رؤيتها التي حرصت على خروجها للعلن لأسباب دعائية فحسب، إذ لطالما كان من المؤكد سابقاً، وراهناً، وسيظل لاحقاً كذلك، أن تل أبيب ستجد نفسها بوضعية المضطر إلى وقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة لو أعلنت واشنطن تعليق «جسر الدعم الجوي» الذي أقامته منذ بدء «الطوفان»، ولم يكن مفاجئاً أن تحبط كل من روسيا والصين مشروع قرار تقدمت به واشنطن في مجلس الأمن لإعلان «وقف إطلاق نار فوري» لمدة ستة أسابيع مقابل الإفراج عن الأسرى، لكنه «تضمن ضوءاً أخضر لإسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في رفح» وفقاً لما قاله المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، كان المشروع، الذي سمع بلينكن بسقوطه وهو في مطار بن غوريون، التفافياً يرمي لإعطاء إسرائيل ما لم تستطع أخذه بالحرب التي باتت هي الأطول في تاريخها حتى الآن.

جولة بلينكن انتهت من دون نتائج تذكر على الرغم مما رافقها من إعلان بدء جولة تفاوض جديدة، وهو لم يستطع كبح جماح نتنياهو الموغل في دماء الفلسطينيين والمتعطش للمزيد منها رفقة تعطشه لتهجير ما تبقى منهم على قيد الحياة، لكن «مغامرة» رفح، التي قرر «كابينيت الحرب» خوضها كما يبدو تحت أي ظروف راهنة أو مستجدة قد تقلب المعادلات الداخلية والإقليمية اللتين تبدوان على درجة عالية من الهشاشة، وهما لا تحتاجان لتراكم الكثير لكي تفعلا، قد يكون بلينكن سمع ما «يطيب خاطره» في لقاء السداسية بالقاهرة، وهذا تخمين يبدو وارداً، وما يدعمه «الهدوء» الحاصل بالضفة الغربية رغم «عداد رمضان» الذي أضحى يشير إلى انتصافه، لكن هذا نصف المشهد ولربما كانت «الحناجر» التي سمع منها، بلينكن، لا تلحظ حالاً من الغليان الذي راحت مؤشراته تتعالى على وقع نشر الدم وتسويق الدمار على امتداد المنطقة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن